للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به التوحيد وترك الشرك أو ترك الرياء، وذلك أن الإخلاص مطلوب في التوحيد وفي الأعمال، وهذا الإخلاص في التوحيد من الشرك الجليّ، وهذا الإخلاص في الأعمال من الشرك الخفيّ، وهو الرياء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرياء الشرك الأصغر وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه إنه تعالى يقول «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشريكه» «١» .

واعلم أن الأعمال ثلاثة أنواع: مأمورات ومنهيات ومباحات فأما المأمورات فالإخلاص فيها عبارة عن خلوص النية لوجه الله، بحيث لا يشوبها بنية أخرى، فإن كانت كذلك فالعمل خالص مقبول، وإن كانت النية لغير وجه الله، من طلب منفعة دنيوية، أو مدح أو غير ذلك فالعمل رياء محض مردود، وإن كانت النية مشتركة ففي ذلك تفصيل فيه نظر واحتمال. وأما المنهيات فإن تركها دون نية خرج عن عهدتها، ولم يكن له أجر في تركها وإن تركها بنية وجه الله حصل له الخروج عن عهدتها مع الأجر، وأما المباحات كالأكل والنوم والجماع وشبه ذلك فإن فعلها بغير نية لم يكن فيها أجر، وإن فعلها بنية وجه الله فله فيها أجر، فإن كل مباح يمكن أن يصير قربة إذا قصد به وجه الله مثل أن يقصد بالأكل القوة على العبادة ويقصد بالجماع التعفف عن الحرام حُنَفاءَ جمع حنيف وقد ذكر وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ تقديره: الملة القيمة، أو الجماعة القيمة وقد فسرنا القيمة ومعناها أن الذي أمروا به من عبادة الله والإخلاص له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة هو دين الإسلام فلأيّ شيء لا يدخلون فيه؟

الْبَرِيَّةِ الخلق لأن الله برأهم وأوجدهم بعد العدم. وقرأ [نافع وابن عامر البريئة] بالهمز وهو الأصل و [الباقون] بالياء وهو تخفيف من المهموز، وهو أكثر استعمالا عند العرب.

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ اختلف هل هذا في الدنيا أو في الآخرة؟ فرضاهم عن الله في الدنيا هو الرضا بقضائه والرضا بدينه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا «٢» ، ورضاهم عنه في الآخرة: هو رضاهم بما أعطاهم الله فيها، أو رضا الله عنهم لما ورد في الحديث أن الله يقول: يا أهل الجنة هل تريدون شيئا أزيدكم فيقولون يا ربنا وأي شيء نريد وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول عندي أفضل من ذلك وهو رضواني فلا أسخط عليكم أبدا «٣» ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ أي لمن خافه وهذا دليل على فضل الخوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الله رأس كل حكمة «٤» .


(١) . رواه مسلم عن أبي هريرة الاتحافات السنية للمناوي رقم ٥٩.
(٢) . رواه أحمد عن العباس ج ١ ص ٢٠٨.
(٣) . رواه المنذري وعزاه للشيخين والترمذي عن أبي سعيد الخدري.
(٤) . ذكره المناوي في التيسير بمعناه: رأس الحكمة مخافة الله وعزاه للحكيم في نوادره وابن لال في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>