على وجه التهديد لقوله بعد: فتمتعوا فسوف تعلمون، فعلى هذا يبتدئ بها، وقيل: هي لام العاقبة، فعلى هذا توصل بما قبلها لأنها في الأصل لام كي، وذلك بعيد في المعنى، والكفر هنا يحتمل أن يريد به كفر النعم لقوله: بما آتيناهم، أو كفر الجحود والشرك لقوله:
بربهم يشركون فَتَمَتَّعُوا يريد التمتع في الدنيا، وذلك أمر على وجه التهديد
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ الضمير في يجعلون لكفار العرب فإنهم كانوا يجعلون للأصنام نصيبا من ذبائحهم وغيرها، والمراد بقوله لما لا يعلمون الأصنام، والضمير في لا يعلمون للكفار أي لا يعلمون ربوبيتهم ببرهان ولا بحجة، وقيل: الضمير في لا يعلمون للأصنام أي الأشياء غير عالمة وهذا بعيد وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ إشارة إلى قول الكفار: إن الملائكة بنات الله، ثم نزه تعالى نفسه عن ذلك بقوله سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ المعنى أنهم يجعلون لأنفسهم ما يشتهون يعني بذلك الذكور من الأولاد، وأما الإعراب فيجوز أن يكون ما يشتهون مبتدأ وخبره المجرور قبله، وأن يكون مفعولا بفعل مضمر تقديره:
ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون، وأن يكون معطوفا على البنات على أن هذا يمنعه البصريون، لأنه من باب ضربتني وكان يلزم عندهم أن يقال لأنفسهم.
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ إخبار عن حال العرب في كراهتهم البنات، وظل هنا يحتمل أن تكون على بابها، أو بمعنى صار، والسواد عبارة عن العبوس والغم، وقد يكون معه سواد حقيقة، وكظيم قد ذكر في [يوسف: ٨٤] يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ أي يستخفي من أجل سوء ما بشر به أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ المعنى يدبر وينظر هل يمسك الأنثى التي بشر بها على هوان وذل لها، أو يدفنها في التراب حية، وهي الموؤدة، وهذا معنى يدسه في التراب مَثَلُ السَّوْءِ أي صفة السوء من الحاجة إلى الأولاد وغير ذلك من الافتقار والنقص وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الوصف الأعلى من الغنى عن كل شيء، والنزاهة عن صفات المخلوقين وَلَوْ يُؤاخِذُ يعني لو يعاقبهم في الدنيا بِظُلْمِهِمْ أي بكفرهم ومعاصيهم ما تَرَكَ عَلَيْها الضمير للأرض مِنْ دَابَّةٍ يعم بني آدم وغيرهم وهذا يقتضي أن تهلك الحيوانات بذنوب بني آدم، وقد ورد ذلك في الأثر، وقيل: يعني بني آدم خاصة وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ يعني البنات أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى أن بدل من الكذب، والحسنى هنا قيل: هي الجنة، وقيل: ذكور الأولاد وَأَنَّهُمْ