تعلق منها الحبال، والقطع هنا يراد به: الاختناق بالحبل، يقال: قطع الرجل إذا اختنق، ويحتمل أن يراد به قطع الرجل من الأرض بعد ربط الحبل في العنق، وربطه في السقف، والمراد بالاختناق هنا ما يفعله من اشتد غيظه وحسرته، أو طمع فيما لا يصل إليه، كقوله للحسود: مت كمدا، أو اختنق فإنك لا تقدر على غير ذلك، وفي معنى الآية قولان:
الأول أن الضمير في ينصره لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى على هذا: من كان من الكفار يظنّ أن لن ينصر الله محمدا فليختنق بحبل، فإن الله ناصره ولا بد على غيظ الكفار، فموجب الاختناق هو الغيظ من نصرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والقول الثاني أن الضمير في ينصره عائد على من، والمعنى على هذا من ظنّ بسبب ضيق صدره وكثرة غمه أن لن ينصره الله:
فليختنق وليمت بغيظه، فإنه لا يقدر على غير ذلك، فموجب الاختناق على هذا القنوط والسخط من القضاء، وسوء الظنّ بالله حتى ييأس من نصره، ولذلك فسر بعضهم أن لن ينصره الله بمعنى أن لن يرزقه، وهذا القول أرجح من الأول لوجهين: أحدهما أن هذا القول مناسب لمن يعبد الله على حرف، لأنه إذا أصابته فتنة انقلب وقنط، حتى ظنّ أن الله لن ينصره، فيكون هذا الكلام متصلا بما قبله: ويدل على ذلك قوله قبل هذه الآية: إن الله يفعل ما يريد: أي الأمور بيد الله، فلا ينبغي لأحد أن يتسخط من قضاء الله، ولا ينقلب إذا أصابته فتنة، والوجه الثاني، أن الضمير في ينصره على هذا القول يعود على ما تقدّمه، وأما على القول الأول فلا يعود على مذكور قبله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر قبل ذلك بحيث يعود الضمير عليه، ولا يدل سياق الكلام عليه دلالة ظاهرة فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ الكيد هنا يراد به اختناقه، وسمي كيدا لأنه وضعه موضع الكيد، إذ هو غاية حيلته، والمعنى إذا خنق نفسه فلينظر هل يذهب ذلك ما يغيظه من الأمر، أي ليس يذهبه.
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ الضمير للقرآن، أي مثل هذا أنزلنا القرآن كله آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ قال ابن عطية: أن في موضع خبر الابتداء والتقدير الأمر أن الله، وهذا ضعيف. لأن فيه تكلف إضمار وقطع للكلام عن المعنى الذي قبله، وقال الزمخشري:
التقدير: لأن الله يهدي من يريد أنزلناه كذلك آيات بينات، فجعل أن تعليلا للإنزال، وهذا ضعيف للفصل بينهما بالواو. والصحيح عندي: أن قوله: وأن الله معطوف على آيات بينات، لأنه مقدر بالمصدر، فالتقدير أنزلناه آيات بينات وهدى لمن أراد الله أن يهديه
وَالصَّابِئِينَ ذكر في [البقرة: ٦٢] وكذلك الذين هادوا وَالْمَجُوسَ هم الذين يعبدون النار، ويقولون: إن الخير من النور والشر من الظلمة وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا هم الذين يعبدون الأصنام من العرب وغيرهم إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ هذه الجملة هي خبر إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية، وكررت مع الخبر للتأكيد، وفصل الله بينهم بأن يبين لهم أن الإيمان هو