يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ خطاب على العموم وقد تكلمنا على التقوى في أوّل البقرة مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هو آدم عليه السلام زَوْجَها هي حوّاء خلقت من ضلع آدم وَبَثَّ نشر تَسائَلُونَ بِهِ أي يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله أن تفعل كذا والْأَرْحامَ بالنصب عطفا على اسم الله أي: اتقوا الأرحام فلا تقطعوها، أو على موضع الجار والمجرور. وهو به، لأنّ موضعه نصب وقرئ بالخفض عطف على الضمير في به، وهو ضعيف عند البصريين، لأنّ الضمير المخفوض لا يعطف عليه إلّا بإعادة الخافض إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً إذا تحقق العبد بهذه الآية وأمثالها استفاد مقام المراقبة وهو مقام شريف أصله علم وحال، ثم يثمر حالين: أما العلم: فهو معرفة العبد بأنّ الله مطلع عليه، ناظر إليه يرى جميع أعماله، ويسمع جميع أقواله، ويعلم كل ما يخطر على باله، وأما الحال: فهي ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه، ولا يغفل عنه، ولا يكفي العلم دون هذه الحال، فإذا حصل العلم والحال: كانت ثمرتها عند أصحاب اليمين: الحياء من الله، وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي والجدّ في الطاعات، وكانت ثمرتها عند المقرّبين: الشهادة التي توجب التعظيم والإجلال لذي الجلال، وإلى هاتين الثمرتين أشار رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم بقوله:«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»«١» فقوله أن تعبد الله كأنك تراه: إشارة إلى الثمرة الثانية، وهي المشاهدة الموجبة للتعظيم: كمن يشاهد ملكا عظيما، فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة، وقوله فإن لم تكن تراه فإنه يراك: إشارة إلى الثمرة الأولى ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقرّبين، فأعلم أنه يراك، فكن من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين، فلما
(١) . جزء من الحديث المشهور أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب. راجع الأربعين النووية.