ولا يستبعد، إنما أنا نبي رسول كما كان غيري من الرسل الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ مثال للضال والمهتدي وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ الضمير في به يعود على ما يوحى، والإنذار عام لجميع الناس، وإنما خصص هنا بالذين يخافون، لأنه قد تقدّم في الكلام ما يقتضي اليأس من إيمان غيرهم فكأنه يقول: أنذر الخائفين لأنه ينفعهم الإنذار، وأعرض عمن تقدّم ذكره من الذين لا يسمعون ولا يعقلون، لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ في موضع الحال من الضمير في يحشروا، واستئناف إخبار لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يتعلق بأنذر.
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الآية: نزلت في ضعفاء المؤمنين. كبلال، وعمار ابن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وخباب وصهيب، وأمثالهم، وكان بعض المشركين من قريش قد قالوا للنبي صلّى الله عليه واله وسلّم: لا يمكننا أن نختلط مع هؤلاء لشرفنا فلو طردتهم لاتبعناك، فنزلت هذه الآية بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ قيل: هي الصلاة بمكة قبل فرض الخمس وكانت غدوة وعشية، وقيل: هي عبارة عن دوام الفعل، ويدعون هنا من الدعاء وذكر الله أو بمعنى العبادة يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إخبار عن إخلاصهم لله وفيه تزكية لهم ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الآية قيل: الضمير في حسابهم للذين يدعون، وقيل: للمشركين، والمعنى على هذا لا تحاسب عنهم، ولا يحاسبون عنك، فلا تهتم بأمرهم حتى تطرد هؤلاء من أجلهم، والأوّل أرجح، لقوله: وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود: ٢٩] وقوله: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي [الشعراء: ١١٣] ، والمعنى على هذا أنّ الله هو الذي يحاسبهم فلأي شيء تطردهم فَتَطْرُدَهُمْ هذا جواب النفي في قوله ما عليك فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ هذا جواب النهي في قوله ولا تطرد أو عطف على فتطردهم وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ أي ابتلينا الكفار بالمؤمنين، وذلك أن الكفار كانوا يقولون أهؤلاء العبيد والفقراء منّ الله عليهم بالتوفيق للحق والسعادة دوننا، ونحن أشراف أغنياء، وكان هذا الكلام منهم على وجه الاستبعاد بذلك أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ردّ على الكفار في قولهم المتقدّم
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ هم الذين نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن طردهم بل أمر بأن يسلم عليهم إكراما لهم وأن يؤنسهم بما بعد هذا كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي حتّمها وفي الصحيح: إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي «١»
(١) . متفق عليه من رواية أبي هريرة وسبق تخريجه في أثناء تفسير الآية [١٢/ الأنعام] .