للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام هي ملة إبراهيم، التي لم يحرم فيها شيء مما هو محرم عليهم.

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ أي أول مسجد بني في الأرض، وقد سأل أبو ذر النبي صلّى الله عليه واله وسلّم، أي مسجد بني أول؟ قال: المسجد الحرام، ثم بيت المقدس «١» ، وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: المعنى أنه أول بيت وضع مباركا وهدى وقد كانت قبله بيوتا بِبَكَّةَ قيل: هي مكة والباء بدل من الميم، وقيل: مكة الحرم كله، وبكة المسجد وما حوله مُبارَكاً نصب على الحال والعامل فيه على قول عليّ: وضع مُبارَكاً على أنه حال من الضمير الذي فيه، وعلى القول الأول: هو حال من الضمير المجرور. والعامل فيه العامل المجرور من معنى الاستقرار فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ آيات البيت كثيرة. منها الحجر الذي هو مقام إبراهيم، وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، فكان كلما طال البناء ارتفع به الحجر في الهواء حتى أكمل البناء، وغرقت قدم إبراهيم في الحجر كأنها في طين، وذلك الأثر باق إلى اليوم، ومنها أن الطيور لا تعلوه، ومنها إهلاك أصحاب الفيل، ورد الجبابرة عنه، ونبع زمزم لهاجر أم إسماعيل بهمز جبريل بعقبه، وحفر عبد المطلب بعد دثورها وأن ماءها ينفع لما شرب له، إلى غير ذلك مَقامُ إِبْراهِيمَ قيل: إنه بدل من الآيات أو عطف بيان، وإنما جاز بدل الواحد من الجمع لأن المقام يحتوي على آيات كثيرة لدلالته على قدرة الله تعالى، وعلى نبوة إبراهيم وغير ذلك، وقيل: الآيات مقام إبراهيم، وأمن من دخله، فعلى هذا يكون قوله: ومن دخله عطفا، وعلى الأول استئنافا، وقيل: التقدير منهن مقام إبراهيم، فهو على هذا مبتدأ، والمقام هو الحجر المذكور، وقيل: البيت كله، وقيل: مكة كلها كانَ آمِناً أي آمنا من العذاب، فإنه كان في الجاهلية إذا فعل أحد جريمة ثم لجأ إلى البيت لا يطلب، ولا يعاقب، فأما في الإسلام فإنّ الحرم لا يمنع من الحدود، ولا من القصاص، وقال ابن عباس وأبو حنيفة: ذلك الحكم باق في الإسلام إلّا أن من وجب عليه حدّ أو قصاص فدخل الحرم لا يطعم ولا يباع منه حتى يخرج، وقيل: آمنا من النار.

حِجُّ الْبَيْتِ بيان لوجوب الحج واختلف هل هو على الفور أو على التراخي؟ وفي الآية ردّ على اليهود لما زعموا أنهم على ملة إبراهيم. قيل لهم: إن كنتم صادقين فحجوا البيت الذي بناه إبراهيم ودعا الناس إليه مَنِ اسْتَطاعَ بدل من الناس، وقيل: فاعل بالمصدر، وهو حج وقيل: شرط مبتدأ أي: من استطاع فعليه الحج والاستطاعة عند مالك هي: القدرة على الوصول إلى مكة بصحة البدن، إما راجلا وإما راكبا، مع الزاد


(١) . أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء ص ١١٧ ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>