صفة للمسجد الأقصى، والبركة حوله بوجهين: أحدهما ما كان فيه وفي نواحيه من الأنبياء، والآخر: كثرة ما فيه من الزروع والأشجار التي خص الله بها الشام لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا أي لنري محمدا صلّى الله عليه وسلّم تلك الليلة من العجائب، فإنه رأى السموات والجنة والنار وسدرة المنتهى والملائكة والأنبياء، وكلمه الله تعالى حسبما ورد في أحاديث الإسراء، وهي في مصنفات الحديث فأغنى ذلك عن ذكرها هنا وَجَعَلْناهُ هُدىً يحتمل أن يعود الضمير على الكتاب أو على موسى أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا «١» أي ربا تكلون إليه أمركم، وأن يحتمل أن تكون مصدرية أو مفسرة ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ نداء، وفي ندائهم بذلك تلطف وتذكير بنعمة الله، وقيل: هي مفعول تتخذوا، ويتعين معنى ذلك على قراءة من قرأ يتخذ بالياء ويعنى بمن حملنا مع نوح أولاده الثلاثة وهم سام وحام ويافث، ونساؤهم، ومنهم تناسل الناس بعد الطوفان إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً أي كثير الشكر كان يحمد الله على كل حال، وهذا تعليل لما تقدم أي كونوا شاكرين كما كان أبوكم نوح.
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ قيل: إن قضينا هنا بمعنى علمنا وأخبرنا، كما قيل في: وقضينا إليه ذلك الأمر [الحجر: ٦٦] ، والكتاب على هذا التوراة، وقيل:
قضينا إليه من القضاء والقدر، والكتاب على هذا اللوح المحفوظ، الذي كتبت فيه مقادير الأشياء، وإلى بمعنى على لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ هذه الجملة ببان للمقضي، وهي في موضع جواب قضينا إذا كان من القضاء والقدر، لأنه جرى مجرى القسم، وإن كان بمعنى أعلمنا فهو جواب قسم محذوف، تقديره: والله لتفسدن، والجملة في موضع معمول قضينا، والمرتان المشار إليهما: إحداهما قتل زكريا والأخرى قتل يحي عليهما السلام وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً من العلو وهو الكبر والتخيل فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا معناه أنهم إذا أفسدوا في المرة الأولى بعث الله عليهم عبادا له لينتقم منهم على أيديهم، واختلف في هؤلاء العبيد فقيل: جالوت وجنوده وقتل بختنصر ملك بابل فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي تردّدوا بينهما بالفساد، وروي أنهم قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة.
وخربوا المساجد وسبوا منهم سبعين ألفا
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ أي الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم، ويعنى رجوع الملك إلى بني إسرائيل، واستنقاذ أسراهم، وقبل بختنصر، وقيل: قتل داود لجالوت أَكْثَرَ نَفِيراً أي أكثر عددا، وهو مصدر من قولك: