للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخبر بالغيوب وذلك معدود في معجزاته، فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أعلم الغيب إلا ما علمني الله، فإن قيل: كيف ذلك مع ما ظهر من إخبار الكهان والمنجمين وأشباههم، بالأمور المغيبة؟ فالجواب: أن إخبارهم بذلك عن ظن ضعيف أو عن وهم لا عن علم، وإنما اقتضت الآية نفي العلم، وقد قيل: إن الغيب في هذه الآية يراد به متى تقوم الساعة، لأن سبب نزولها أنهم سألوا عن ذلك، ولذلك قال: وما يشعرون أيان يبعثون، فعلى هذا يندفع السؤال الأول، والثاني لأن علم الساعة انفرد به الله تعالى لقوله تعالى: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: في خمس لا يعلمها إلا الله، ثم قرأ «إن الله عنده علم الساعة» إلى آخر السورة، فإن قيل: كيف قال: إلا الله بالرفع على البدل والبدل، لا يصح إلا إذا كان الاستثناء متصلا، ويكون ما بعد إلا من جنس ما قبلها والله تعالى ليس ممن في السموات والأرض باتفاق؟ فإن القائلين بالجهة والمكان يقولون إنه فوق السموات والأرض، والقائلين بنفي الجهة يقولون: إن الله تعالى ليس بهما ولا فوقهما، ولا داخلا فيهما، ولا خارجا عنهما، فهو على هذا استثناء منقطع، فكان يجب أن يكون منصوبا؟ فالجواب من أربعة أوجه:

الأول أن البدل هنا جاء على لغة بني تميم في البدل، وإن كان منقطعا كقولهم ما في الدار أحد إلا حمار بالرفع، والحمار ليس من الأحدين وهذا ضعيف، لأن القرآن أنزل بلغة الحجاز لا بلغة بني تميم، والثاني أن الله في السموات والأرض بعلمه كما قال: «وهو معكم أينما كنتم» يعني بعلمه، فجاء البدل على هذا المعنى وهذا ضعيف، لأن قوله: في السموات والأرض وقعت فيه لفظة في الظرفية الحقيقية، وهي في حق الله على هذا المعنى للظرفية المجازية، ولا يجوز استعمال لفظة واحدة في الحقيقة والمجاز في حالة واحدة عند المحققين، الجواب الثالث أن قوله: من في السموات والأرض يراد به كل موجود فكأنه قال من في الوجود فيكون الاستثناء على هذا متصلا، فيصح الرفع على البدل، وإنما قال من في السموات والأرض جريا على منهاج كلام العرب فهو لفظ خاص يراد به ما هو أعم منه: الجواب الرابع أن يكون الاستثناء متصلا على أن يتأول من في السموات في حق الله كما يتأول قوله «أأمنتم من في السماء» وحديث الجارية وشبه ذلك وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي لا يشعرون من في السموات والأرض متى يبعثون، لأنّ علم الساعة مما انفرد به الله، روي أن سبب نزول هذه الآية أن قريشا سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم متى الساعة؟

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وزن ادّارك تفاعل ثم سكنت التاء وأدغمت الدال واجتلبت ألف الوصل، والمعنى تتابع علمهم بالآخرة وتناهى إلى أن يكفروا بها، أو تناهى إلى أن لا يعلموا وقتها، وقرئ «١» أدرك بهمزة قطع على وزن أفعل، والمعنى على هذا: يدرك علمهم في الآخرة، أي يعلمون فيها الحق، لأنهم يشاهدون حينئذ الحقائق، فقوله: في


(١) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بل أدرك علمهم. بمعنى هل أدرك. وهل بعني الجحد. وقرأ الباقون: «بل ادّارك» أي ما جهلوا في الدنيا علموه في الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>