للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمراتع، وهذه الأقوال أمثلة والأول أعم وأرجح، فإن هداية الإنسان وسائر الحيوانات إلى مصالحها باب واسع فيه عجائب وغرائب، وقال الفراء: المعنى هدى وأضلّ واكتفى بالواحدة لدلالتها على الأخرى وهذا بعيد

وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى المرعى هو النبات الذي ترعاه البهائم، والغثاء هو النبات اليابس المحتطم، وأحوى معناه أسود وهو صفة لغثاء. والمعنى أن الله أخرج المرعى أخضر فجعله بعد خضرته غثاء أسود، لأن الغثاء إذا قدم تعفن واسودّ، وقيل: إن أحوى حال من المرعى، ومعناه: الأخضر الذي يضرب إلى السواد وتقديره: الذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء، وفي هذا القول تكلف.

سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعده الله أن يقرئه القرآن فلا ينساه، وفي ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام لأنه كان أميا لا يكتب، وكان مع ذلك لا ينسى ما أقرأه جبريل عليه السلام من القرآن، وقيل: معنى الآية كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ

[القيامة: ١٦] الآية: فإنه عليه الصلاة والسلام كان يحرك به لسانه إذا أقرأه جبريل، خوفا أن ينساه فضمن الله له أن لا ينساه، وقيل: فلا تنسى نهي عن النسيان، وقد علم الله أن ترك النسيان ليس في قدرة البشر، فالمراد الأمر بتعاهده حتى لا ينساه. وهذا بعيد لإثبات الألف في تنسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ فيه وجهان: أحدهما أن معناه لا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه كقوله: أو ننسها البقرة: ١٠٦ والآخر: أنه لا ينسى شيئا ولكن قال: إلا ما شاء الله تعظيما لله بإسناد الأمر إليه كقوله في الأنعام: ١٢٨ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ على بعض الأقوال وعبر الزمخشري: عن هذا بأنه من استعمال التقليل في معنى النفي، والأول أظهر فإن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أراد الله أن يرفعه من القرآن، أو فيما قضى الله أن ينساه ثم يذكره، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قراءة عباد بن بشير رحمه الله: لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسّيتها وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى عطف على سنقرئك ومعناه نوفقك للأمور المرضية التي توجب لك السعادة، وقيل: معناه للشريعة اليسرى من قوله عليه الصلاة والسلام: دين الله يسر «١» أي سهل لا حرج فيه.

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى المراد بهذا الشرط توبيخ الكفار الذين لا تنفعهم الذكرى، واستبعاد تأثير الذكرى في قلوبهم كقولك: قد أوصيتك لو سمعت، وقيل: المعنى: ذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. واقتصر على أحد القسمين لدلالة الآخر عليه، وهذا بعيد


(١) . قال المناوي: رواه البخاري بلفظ: إن الدين يسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>