فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أي لا يطلع أحدا على علم الغيب إلا من ارتضى، وهم الرسل فإنه يطلعهم على ما شاء من ذلك. ومن في قوله: من رسول لبيان الجنس لا للتبعيض، والرسل هنا يحتمل أن يراد بهم الرسل من الملائكة وعلى هذا حملها ابن عطية، أو الرسل من بني آدم، وعلى هذا حملها الزمخشري. واستدل بها على نفي كرامات الأولياء الذين يدعون المكاشفات، فإن الله خص الاطلاع على الغيب بالرسل دون غيرهم. وفيها أيضا دليل على إبطال الكهانة والتنجيم وسائر الوجوه التي يدعي أهلها الاطلاع على الغيب لأنهم ليسوا من الرسل فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً المعنى أن الله يسلك من بين يدي الرسل ومن خلفه ملائكة يكونون رصدا يحفظونه من الشياطين، وقد ذكرنا رصدا في هذه السورة قال بعضهم: ما بعث الله رسولا إلا ومعه ملائكة يحرسونه حتى يبلغ رسالة ربه لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ في الفاعل بيعلم ثلاثة أقوال: الأول أي ليعلم الله أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم أي يعلمه موجودا وقد كان علم ذلك قبل كونه. الثاني ليعلم محمد أن الملائكة الرصد أبلغوا رسالات ربهم.
الثالث ليعلم من كفر أن الرسل قد بلغوا الرسالة والأول أظهر وجمع الضمير في أبلغوا وفي ربهم حملا على المعنى، لأن من ارتضى من رسول يراد به جماعة وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ أي أحاط الله بما عند الرسل من العلوم والشرائع، وهذه الجملة معطوفة على قوله: ليعلم لأن معناه أنه قد علم قال ذلك ابن عطية ويحتمل أن تكون هذه الجملة في موضع الحال وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً هذا عموم في جميع الأشياء وعددا منصوب على الحال أو تمييز أو مصدر من معنى أحصى.