اقترح آية فرآها ولم يؤمن أنه يعجل له العذاب، وقد علم الله، أن هؤلاء القوم يؤمن كثير منهم، ويؤمن أعقابهم فلم يفعل بهم ذلك
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ الذكر هنا هو القرآن وفي قوله: إنا نحن نزلنا الذكر ردا لإنكارهم واستخفافهم في قولهم: يا أيها الذي نزل عليه الذكر ولذلك أكده بنحن واحتج عليه بحفظه، ومعنى حفظه: حراسته عن التبديل والتغيير، كما جرى في غيره من الكتب، فتولى الله حفظ القرآن، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان منه، ولا تبديله بخلاف غيره من الكتب، فإن حفظها موكول إلى أهلها لقوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [المائدة: ٤٤] فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ الشيع: جمع شيعة وهي الطائفة التي تتشيع لمذهب أو رجل كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ معنى نسلكه ندخله، والضمير في نسلكه يحتمل أن يكون للاستهزاء، الذي دل عليه قوله: به يستهزؤن، أو يكون للقرآن أي نسلكه في قلوبهم فيستهزءوا به، ويكون قوله:
كذلك تشبيها للاستهزاء المتقدم، ولا يؤمنون به تفسيرا لوجه إدخاله في قلوبهم، والضمير في به للقرآن وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أي تقدمت طريقتهم على هذه الحالة من الكفر والاستهزاء حتى هلكوا بذلك، ففي الكلام تهديد لقريش وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا الضمائر لكفار قريش المعاندين المحتوم عليهم بالكفر وقيل: الضمير في ظلوا وفي يعرجون للملائكة وفي قالوا للكفار، ومعنى:
يعرجون يصعدون، والمعنى أن هؤلاء الكفار لو رأوا أعظم آية لقالوا: إنها تخييل أو سحر، وقرئ سكّرت بالتشديد «١» والتخفيف، ويحتمل أن يكون مشتقا من السكر، فيكون معناه:
أجبرت أبصارنا فرأينا الأمر على غير حقيقته، أو من السّكر وهو السد فيكون معناه منعت أبصارنا من النظر بُرُوجاً يعني المنازل الاثني عشر إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ استثناء من حفظ السموات فهو في موضع نصب مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أي: مقدر بقدر، فالوزن على هذا استعارة وقيل: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والأطعمة، والأول أعم وأحسن وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ يعني: البهائم والحيوانات ومن معطوف على معايش وقيل: على
(١) . قرأ ابن كثير: سكرت بالتخفيف والباقون بالتشديد.