ومتى يزول عن مكان إلى آخر، فيبنون على ذلك انتفاعهم به وجلوسهم فيه، وقيل: معناه لولا الشمس لم يعرف أن الظل شيء، لأن الأشياء لم تعرف إلا بأضدادها
ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً قبضه نسخه وإزالته بالشمس ومعنى يسيرا شيئا بعد شيء لا دفعة واحدة، فإن قيل: ما معنى ثم في هذه المواضع الثلاثة؟ فالجواب أنه يحتمل أن تكون للترتيب في الزمان أي جعل الله هذه الأحوال حالا بعد حال، أو تكون لبيان التفاضل بين هذه الأحوال الثلاثة. وأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني اللَّيْلَ لِباساً شبّه ظلام الليل باللباس، لأنه يستر كل شيء كاللباس وَالنَّوْمَ سُباتاً قيل: راحة وقيل موتا لقوله: يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر: ٤٢] ويدل عليه مقابلته بالنشور الرِّياحَ بُشْراً ذكر في [الأعراف: ٥٧] ماءً طَهُوراً مبالغة في طاهر وقيل: معناه مطهر للناس في الوضوء وغيره. وبهذا المعنى يقول الفقهاء: ماء طهورا، أي مطهرا، وكل مطهر طاهر، وليس كل طاهر مطهر أَناسِيَّ قيل: جمع إنسي، وقيل: جمع إنسان، والأول أصح وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ الضمير للقرآن، وقيل: للمطر وهو بعيد وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً أي لو شئنا لخففنا عنك أثقال الرسالة ببعث جماعة من الرسل، ولكنا خصصناك بها كرامة لك فاصبر وَجاهِدْهُمْ بِهِ الضمير للقرآن أو لما دل عليه الكلام المتقدم.
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ «١» اضطرب الناس في هذه الآية لأنه لا يعلم في الدنيا بحر ملح وبحر عذب، وإنما البحار المعروفة ماؤها ملح، قال ابن عباس: أراد بالبحر الملح الأجاج بحر الأرض، والبحر العذب الفرات بحر السحاب، وقيل: البحر الملح البحر المعروف، والبحر العذب مياه الأرض، وقيل: البحر الملح جميع الماء الملح من الآبار وغيرها، والبحر العذب هو مياه الأرض من الأنهار والعيون، ومعنى العذب: البالغ العذوبة حتى يضرب إلى الحلاوة، والأجاج نقيضه، واختلف في معنى مرجهما، فقيل: جعلهما متجاورين متلاصقين، وقيل أسال أحدهما في الآخر وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً أي فاصلا يفصل بينهما وهو ما بينهما من الأرض بحيث لا يختلطان، وقيل:
البرزخ يعلمه الله ولا يراه البشر.
(١) . من الثابت وجود ينابيع عذبة في البحر قرب السواحل، وهي معروفة للناس يستقرن منها رغم كونها محاطة بالماء المالح. مصححة.