وتقوية للتأويل الذي ذكرنا، وفيه أيضا رد على المعتزلة في قولهم بالأجلين، ولما كان كذلك قال الزمخشري: إن ظاهر هذا مناقض لما قبله من الوعد بالتأخير إن آمنوا، وتأول ذلك على مقتضى مذهبه بأن الأجل الذي لا يؤخر هو الأجل الثاني. وذلك أن قوم نوح قضى الله أنهم إن آمنوا عمرهم الله مثلا ألف عام، وإن لم يؤمنوا عمرهم تسعمائة عام فالألف عام هي التي تؤخر إذا جاءت والتسعمائة عام هي التي وعدوا بالتأخير عنها إلى الألف عام إن أمنوا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ أي دعوتهم ليؤمنوا فتغفر لهم، فذكر المغفرة التي هي سبب عن الإيمان ليظهر قبح إعراضهم عنه فإنهم أعرضوا عن سعادتهم جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ فعلوا ذلك لئلا يسمعوا كلامه، فيحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة أو يكون عبارة عن إفراط إعراضهم حتى كأنهم فعلوا ذلك وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أي جعلوها غشاوة عليهم لئلا يسمعوا كلامه، أو لئلا يراهم ويحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة، أو يكون عبارة عن إعراضهم وَأَصَرُّوا أي داوموا على كفرهم دَعَوْتُهُمْ جِهاراً إعراب جهارا مصدر من المعنى كقولك: قعد القرفصاء، أو صفة لمصدر محذوف تقديره: دعا جهارا أو مصدر في موضع الحال أي مجاهرا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ذكر أولا أنه دعاهم بالليل والنهار، ثم ذكر أنه دعاهم جهارا، ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار، وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، قال ابن عطية: الجهاد دعاؤهم في المحافل ومواضع اجتماعهم، والإسرار دعاء كل واحد على حدته يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً مفعول من الدرّ وهو كثرة الماء، وفي الآية دليل على أن الاستغفار يوجب نزول الأمطار، ولذلك خرج عمر بن الخطاب إلى الاستسقاء فلم يزد على أن استغفر ثم انصرف، فقيل له ما رأيناك استسقيت فقال والله لقد استسقيت أبلغ الاستسقاء ثم نزل المطر، وشكا رجل إلى الحسن الجدب فقال له: استغفر الله.
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً فيه أربع تأويلات: أحدها أن الوقار بمعنى التوقير والكرامة، فالمعنى: ما لكم لا ترجون أن يوقركم الله في دار ثوابه. قال ذلك الزمخشري.
وقوله: لله على هذا بيان للموقر، ولو تأخر لكان صفة لوقارا. والثاني أن الوقار بمعنى التؤدة والتثبت والمعنى ما لكم لا ترجون لله وقارا، متثبتين حتى تتمكنوا من النظر بوقاركم وقوله: لله على هذا مفعول دخلت عليه اللام كقولك: ضربت لزيد وإعراب وقارا على هذا مصدر في موضع الحال. الثالث أن الرجاء هنا بمعنى الخوف، والوقار بمعنى العظمة والسلطان فالمعنى: ما لكم لا تخافون عظمة الله وسلطانه ولله على هذا صفة للوقار في