للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الكفار آباءهم بغير حجة اتبع كل من كان قبلهم من الكفار آباءهم بغير حجة، بل بطريق التقليد المذموم قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم هذا رد على الذين اتبعوا آباءهم، والمعنى قل لهم أتتبعونهم ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم، وقرئ «١» قال أو لو جئتكم، والفاعل ضمير يعود على النذير المتقدم، وأما قراءة قل بالأمر فهو خطاب لمحمد صلّى الله عليه وسلّم، أمره الله أن يقول ذلك لقريش وقيل: هو للنذير المتقدم، أمره الله أن يقول ذلك لقومه، والأول أظهر، وعلى هذا تكون هذه الجملة اعتراضا بين قصة المتقدمين، فإن قوله قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون: حكاية عن الكفار المتقدمين، وكذلك قوله: فانتقمنا منهم: يعني من المتقدمين.

إِنَّنِي بَراءٌ أي بريء وبراء في الأصل مصدر ثم استعمل صفة، ولذلك استوى فيها الواحد والجماعة كعدل وشبهه إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي يحتمل أن يكون استثناء منقطعا، وذلك إن كانوا لا يعبدون الله، أو يكون متصلا إن كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره، وإعرابه على هذا بدل مما تعبدون فهو في موضع خفض، أو منصوب على الاستثناء فهو في موضع نصب سَيَهْدِينِ قال هنا: سيهدين، وقال مرة أخرى: فهو يهدين، ليدل على أن الهداية في الحال والاستقبال [من الله] وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ضمير الفاعل في جعلها يعود على إبراهيم عليه السلام، وقيل على الله تعالى، والأول أظهر، والضمير يعود على الكلمة التي قالها وهي: إنني براء مما تعبدون، ومعناه: التوحيد، ولذلك قيل: يعود على الإسلام لقوله: هو سماكم المسلمين من قبل، وقيل: يعود على لا إله إلا الله، والمعنى متقارب:

أي جعل إبراهيم تلك الكلمة ثابتة في ذريته لعل من أشرك منهم يرجع إلى التوحيد، والعقب هو الولد وولد الولد ما تناسلا أبدا بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ الإشارة بهؤلاء إلى قريش، وهذا الكلام متصل بما قبله، لأن قريشا من عقب إبراهيم عليه السلام، فالمعنى لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم، بل متعتهم بالنعم والعافية، فلم يشكروا عليها واشتغلوا بها عن عبادة الله حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم.

وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الضمير في قالوا لقريش، والقريتان مكة والطائف، ومن القريتين: معناها من إحدى القريتين، كقولك: يخرج منهما


(١) . قرأ حفص وابن عامر: قال وقرأ الباقون: قل.

<<  <  ج: ص:  >  >>