للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنَ الرَّسُولُ الآية سببها ما تقدّم في حديث أبي هريرة: لما قالوا سمعنا وأطعنا مدحهم الله بهذه الآية، وقدّم ذلك قبل كشف ما شق عليهم وَالْمُؤْمِنُونَ عطف على الرسول أو مبتدأ، فعلى الأوّل يوقف على المؤمنون وعلى الثاني يوقف على من ربّه والأوّل أحسن كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ إن كان المؤمنون معطوفا فكل عموم في الرسول والمؤمنون، وإن كان مبتدأ فكل عموم في المؤمنين ووحد الضمير في آمن على معنى أن كل واحد منهم آمن وَكُتُبِهِ قرئ «١» بالجمع أي كل كتاب أنزله الله، وقرئ بالتوحيد يريد القرآن أو الجنس لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ التقدير يقولون: لا نفرّق، والمعنى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وبين غيره في الإيمان بل نؤمن بجميعهم، ولسنا كاليهود والنصارى الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا حكاية عن قول المؤمنين على وجه المدح لهم غُفْرانَكَ مصدر، والعامل فيه مضمر ونصبه على المصدرية تقديره اغفر غفرانك، وقيل على المفعولية تقديره: نطلب غفرانك وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ إقرار بالبعث مع تذلل وانقياد، وهنا تمت حكاية كلام المؤمنين

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها إخبار من الله تعالى برفع تكليف ما لا يطاق، وهو جائز عقلا عند الأشعرية ومحال عقلا عند المعتزلة، واتفقوا على أنه لم يقع في الشريعة لَها ما كَسَبَتْ أي من الحسنات وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أي من السيئات، وجاءت العبارة بلها في الحسنات لأنها مما ينتفع بالعبد به، وجاءت بعليها في السيئات لأنها مما يضر العبد، وإنما قال في الحسنات كسبت وفي الشرّ اكتسبت، لأنّ في الاكتساب ضرب من الاعتمال والمعالجة، حسبما تقتضيه صيغة افتعل فالسيئات فاعلها يتكلف مخالفة أمر الله، ويتعدّاه بخلاف الحسنات، فإنه فيها على الجادّة من غير تكلف أو لأنّ السيئات يجدّ في فعلها لميل النفس إليها، فجعلت لذلك مكتسبة، ولما لم يكن الإنسان في الحسنات كذلك: وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أي قولوا ذلك في دعائكم ويحتمل أن يكون ذلك من بقية حكاية قولهم كما حكى عنهم قولهم: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، والنسيان هنا هو ذهول القلب على الإنسان، والخطأ غير العمد فذلك معنى قوله صلّى الله عليه واله وسلّم: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» «٢» وقد كان يجوز أن يأخذ به لولا أنّ الله رفعه وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً التكاليف الصعبة، وقد كانت لمن تقدّم من الأمم كقتل أنفسهم، وقرض أبدانهم، ورفعت عن هذه الأمة. قال تعالى: ويضع عنهم إصرهم. وقيل الإصر المسخ قردة وخنازير


(١) . قرأ حمزة والكسائي: وكتابه بالافراد والباقون بالجمع. [.....]
(٢) . قال المناوي في التيسير: رواه الطبراني عن ثوبان وهو حديث حسن وقيل بضعفه ولكنه يتقوى بكثرة شواهده.

<<  <  ج: ص:  >  >>