تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووعد له بالنصر وتفريج الكرب، وإعانة له على ما أمر به من الصبر، وذلك أن الله ذكر ما أنعم به على داود من تسخير الطير والجبال، وشدّة ملكه، وإعطائه الحكمة وفصل الخطاب، ثم الخاتمة له في الآخرة بالزلفى وحسن المآب، فكأنه يقول: يا محمد كما أنعمنا على داود بهذه النعم كذلك ننعم عليك، فاصبر ولا تحزن على ما يقولون، ثم ذكر ما أعطى سليمان من الملك العظيم، وتسخير الريح والجن والخاتمة بالزلفى وحسن المآب، ثم ذكر من ذكر بعد ذلك من الأنبياء. والمقصد: ذكر الإنعام عليهم لتقوية قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضا فإن داود وسليمان وأيوب أصابتهم شدائد ثم فرّجها الله عنهم، وأعقبها بالخير العظيم، فأمر سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بذكرهم، ليعلمه أنه يفرج عنه ما يلقى من إذاية قومه، ويعقبها بالنصر والظهور عليهم، فالمناسبة في ذلك ظاهرة وقال ابن عطية: المعنى: اذكر داود ذا الأيدي في الدين فتأسّ به وتأيد كما تأيد، وأجاب الزمخشري عن السؤال فإنه قال: كأن الله قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: اصبر على ما يقولون، وعظم أمر المعصية في أعين الكفار بذكر قصة داود، وذلك أنه نبي كريم عند الله ثم زلّ زلة فوبخه الله عليها فاستغفر وأناب، فما الظن بكم مع كفركم ومعاصيكم وهذا الجواب لا يخفى ما فيه من سوء الأدب مع داود عليه السلام حيث جعله مثالا يهدد الله به الكفار، وصرح بأنه زل وأن الله وبخه على زلته، ومعاذ الله من ذكر الأنبياء بمثل هذا
وَالْإِشْراقِ يعني: وقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس: أي تضيء ويصفر شعاعها وهو وقت الضحى، وأما شروقها فطلوعها مَحْشُورَةً أي مجموعة كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أي كل مسبح لأجل تسبيح داود، ويحتمل أن يكون أوّاب هنا بمعنى رجاع أي ليرجع إلى أمره.
وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ قيل: يعني النبوة، وقيل: العلم والفهم وقيل: الزبور وَفَصْلَ الْخِطابِ قال ابن عباس: هو فصل القضاء بين الناس بالحق، وقال عليّ بن أبي طالب: هو إيجاب اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعى، وقيل: أراد قول: أما بعد فإنه أول من قالها، وقال الزمخشري: معنى فصل الخطاب: البيّن من الكلام الذي يفهمه من يخاطب به، وهذا المعنى اختاره ابن عطية، وجعله من قوله تعالى:«إنه لقول فصل»[الطارق: ١٣] وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ جاءت هذه القصة بلفظ الاستفهام تنبيها للمخاطب ودلالة على أنها من الأخبار العجيبة، التي ينبغي أن يلقى البال لها، والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة، كقولك: عدل وزور. واتفق الناس على أن هؤلاء الخصم كانوا ملائكة، وروي أنهما جبريل وميكائيل بعثهما الله، ليضرب بهما المثل لداود في نازلة وقع هو في مثلها، فأفتى بفتيا هي واقعة عليه في نازلته، ولما شعر وفهم المراد أناب