للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يليق بنا لأنه مناقض للحكمة، وفي كلا القولين نظر إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ يحتمل أن تكون إن شرطية وجوابها فيما قبلها، أو نافية، والأوّل أظهر بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ الحق عام في القرآن والرسالة والشرع وكل ما هو حق، والباطل عام في أضداد ذلك فَيَدْمَغُهُ أي يقمعه ويبطله، وأصله من إصابة الدماغ وَمَنْ عِنْدَهُ يعني الملائكة وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يعيون ولا يملون أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ أم هنا للإضراب عما قبلها، والاستفهام على وجه الإنكار لما بعدها من الأرض يتعلق بينشرون والمعنى: أن الآلهة التي اتخذها المشركون لا يقدرون أن ينشروا الموتى من الأرض، فليست بآلهة في الحقيقة لأن من صفة الإله القدرة على الإحياء والإماتة.

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا هذا برهان على وحدانية الله تعالى، والضمير في قوله فيهما للسموات والأرض، وإلا الله صفة لآلهة، وإلا بمعنى غير، فاقتضى الكلام أمرين: أحدهما نفي كثرة الآلهة، ووجوب أن يكون الإله واحدا، والأمر الثاني: أن يكون ذلك الواحد هو الله دون غيره، ودل على ذلك قوله: إلا الله، وأما الأوّل فكانت الآية تدل عليه لو لم تذكر هذه الكلمة، وقال كثير من الناس في معنى الآية: إنها دليل على التمانع الذي أورده الأصوليون، وذلك أنا لو فرضنا إلهين، فأراد أحدهما شيئا وأراد الآخر نقيضه، فإما أن تنفذ إرادة كل واحد منهما، وذلك محال لأن النقيضين لا يجتمعان، وإما أن لا تنفذ إرادة واحد منهما، وذلك أيضا محال، لأن النقيضين لا يرتفعان معا، ولأن ذلك يؤدّي إلى عجزهما وقصورهما، فلا يكونان إلهين، وإما أن ينفذ إرادة واحد منهما دون الآخر، فالذي تنفذ إرادته هو الإله، والذي لا تنفذ إرادته ليس بإله، فالإله واحد. وهذا الدليل إن سلمنا صحته فلفظ الآية لا يطابقه، بل الظاهر من اللفظ استدلال آخر أصح من دليل التمانع، وهو أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، لما يحدث بينهما من الاختلاف والتنازع في التدبير وقصد المغالبة، ألا ترى أنه لا يوجد ملكان اثنان لمدينة واحدة، ولا ولّيان لخطة واحدة لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لأنه مالك كل شيء، والمالك يفعل في ملكه ما يشاء، ولأنه حكيم، فأفعاله كلها جارية على الحكمة وَهُمْ يُسْئَلُونَ لفقد العلتين

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً كرر هذا الإنكار استعظاما للشرك، ومبالغة في تقبيحه، لأن قبله من صفات الله ما يوجب توحيده، وليناط به ما ذكر بعده من تعجيز المشركين، وأنهم ليس لهم على الشرك برهان لا من جهة العقل، ولا من جهة الشرع.

هاتُوا بُرْهانَكُمْ تعجيز لهم وقد تكلمنا على هاتوا في [البقرة: ١١١] هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي

<<  <  ج: ص:  >  >>