مكية وآياتها ٦ نزلت بعد الماعون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الكافرون) سبب هذه السورة أن قوما من قريش منهم الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل وأبو جهل ونظراؤهم قالوا: يا محمد اتبع ديننا ونتبع دينك، أعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فقال: معاذ الله أن نشرك بالله شيئا، ونزلت السورة في معنى البراءة من آلهتهم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأها فقد برىء من الشرك لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم، فإن قيل لم كرر هذا المعنى بقوله: ولا أنا عابد ما عبدتم؟
فالجواب من وجهين أحدهما قاله الزمخشري وهو أن قوله: لا أعبد ما تعبدون يريد في الزمان المستقبل وقوله: ولا أنا عابد ما عبدتم يريد به فيما مضى، أي ما كنت قط عابدا ما عبدتم فيما سلف، فكيف تطلبون ذلك مني الآن. الثاني قاله ابن عطية: وهو أن قوله: لا أعبد ما تعبدون لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال: ولا أنا عابد ما عبدتم أي: أبدا ما عشت. لأن لا النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال فقوله: لا أعبد لا يحتمل أن يراد به الحال. ويحتمل عندي أن يكون قوله: لا أعبد ما تعبدون يراد به في المستقبل، على حسب ما تقتضيه لا من الاستقبال، ويكون قوله ولا أنا عابد ما عبدتم يريد به في الحال، فيحصل من المجموع نفي عبادته الأصنام في الحال والاستقبال. ومعنى الحال في قوله ولا أنا عابد ما عبدتم ثم أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري، ومن معنى الاستقبال فإن قولك: ما زيد بقائم بنفي الجملة الاسمية يقتضي الحال.
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله، كما قيل لنوح: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: ٣٦] إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر، وقد روي أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبيّ بن خلف وأبن الحجاج وكلهم ماتوا كفارا، فإن قيل: لم قال ما أعبد بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدهما أن ذلك لمناسبة قوله: لا أعبد ما تعبدون فإن هذا