أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ خطاب لجميع الناس، وإنما عرف الفقر بالألف واللام ليدل على اختصاص الفقر بجنس الناس، وإن كان غيرهم فقراء ولكن فقراء الناس أعظم، ثم وصف نفسه بأنه الغني في مقابلة وصفهم بالفقر، ووصفه بأنه الحميد ليدل على وجوده وكرمه الذي يوجب أن يحمده عباده وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ الحمل عبارة عن الذنوب، والمثقلة الثقيلة الحمل أو النفس الكثيرة الذنوب، والمعنى أنها لو دعت أحدا إلى أن يحمل عنها ذنوبها لم يحمل عنها، وحذف مفعول إن تدع لدلالة المعنى وقصد العموم، وهذه الآية بيان وتكميل لمعنى قوله: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الإسراء: ١٥] وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى المعنى ولو كان المدعوّ ذا قربى ممن دعاه إلى حمل ذنوبه لم يحمل منه شيئا، لأن كل واحد يقول: نفسي نفسي إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم، وليس المعنى اختصاصهم بالإنذار بِالْغَيْبِ في موضع حال من الفاعل في يخشون أي يخشون ربهم، وهم غائبون عن الناس فخشيتهم حق لا رياء.
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ تمثيل للكافر والمؤمن وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ تمثيل للكفر والإيمان وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ تمثيل للثواب والعقاب وقيل: الظل: الجنة والحرور النار. والحرور في اللغة: شدة الحر بالنهار والليل والسموم بالنهار خاصة وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ تمثيل لمن آمن فهو كالحي ومن لم يؤمن فهو كالميت إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ عبارة عن هداية الله لمن يشاء وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ عبارة عن عدم سماع الكفار للبراهين والمواعظ، فشبههم بالموتى في عدم إحساسهم، وقيل: المعنى أن أهل القبور وهم الموتى حقيقة لا يسمعون، فليس عليك أن تسمعهم، وإنما بعث للأحياء وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ معناه أن الله قد بعث إلى كل أمة نبيا يقيم عليهم الحجة، فإن قيل: كيف ذلك وقد كان بين الأنبياء فترات وأزمنة طويلة؟ ألا ترى أن بين عيسى ومحمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستمائة سنة لم يبعث فيها نبي؟ فالجواب أن دعوة عيسى ومن تقدمه من الأنبياء كانت قد بلغتهم فقامت عليهم الحجة. فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ؟ [السجدة: ٣] فالجواب أنهم لم يأتهم نذير معاصر لهم، فلا يعارض ذلك من تقدم قبل عصرهم، وأيضا فإن المراد بقوله: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست ببدع فلا ينبغي أن تنكر، لأن الله أرسله كما