للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسميت ليلة القدر من تقدير الأمور فيها أو من القدر بمعنى الشرف، ويترجح الأول بقوله فيها يفرق كل أمر حكيم

وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ هذا تعظيم لها، قال بعضهم: كل ما قال فيه ما أدراك فقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم وما قال فيه ما يدريك فإنه لا يعلمه لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ معناه أن من قامها كتب الله له أجر العبادة في ألف شهر، قال بعضهم يعني في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه «١» وسبب الآية أن رسول الله تعالى عليه وسلم ذكر رجلا ممن تقدم عبد الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك ورأوا أن أعمارهم تنقص عن ذلك، فأعطاهم الله ليلة القدر وجعلها خيرا من العبادة في تلك المدة الطويلة.

وروي أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عوتب حين بايع معاوية فقال:

إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، وأعلمه أنهم يملكون أمر الناس ألف شهر، فاهتم لذلك، فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير من ملك بني أمية ألف شهر، ثم كشف الغيب أنه كان من بيعة الحسن لمعاوية إلى قتل مروان الجعدي آخر ملوك بني أمية بالمشرق ألف شهر تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ الروح هنا جبريل عليه السلام، وقيل: صنف من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة وتنزّلهم هو إلى الأرض، وقيل: إلى السماء الدنيا وهو تعظيم لليلة القدر ورحمة للمؤمنين القائمين فيها مِنْ كُلِّ أَمْرٍ هذا متعلق بما قبله، والمعنى أن الملائكة ينزلون ليلة القدر من أجل كل أمر، يقضي الله في ذلك العام. فإنه روي أن الله يعلم الملائكة بكل ما يكون في ذلك العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك، ليمتثلوا ذلك في العام كله، وقيل: على هذا المعنى أن من بمعنى الباء أي ينزلون بكل أمر وهذا ضعيف وقيل: إن المجرور يتعلق بعده والمعنى أنها سلام من كل أمر أي سلامة من الآفات، قال مجاهد: لا يصيب أحد فيها داء.

والأظهر أن الكلام تمّ عند قوله: من كل أمر. ثم ابتدأ قوله: سلام هي واختلف في معنى سلام فقيل إنه من السلامة وقيل: إنه من التحية، لأن الملائكة يسلمون على المؤمنين القائمين فيها، وكذلك اختلف في إعرابه فقيل: سلام هي مبتدأ وخبر وهذا يصح سواء جعلناه متصلا مع ما قبله أو منقطعا عنه، وقيل: سلام. خبر مبتدأ مضمر تقديره: أمرها سلام أو: القول فيها سلام. وهي مبتدأ خبره حتى مطلع «٢» الفجر أي هي دائمة إلي طلوع الفجر، ويختلف الوقف باختلاف الإعراب وقال ابن عباس: إن قوله هي إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين، لأن هذه الكلمة هي السابعة والعشرين من كلمات السورة.


(١) . رواه أحمد ج ٢ ص ٤٠٨ عن أبي هريرة وهو في الصحيحين أيضا.
(٢) . قرأ الكسائي: مطلع بكسر اللام والباقون بفتحها.

<<  <  ج: ص:  >  >>