أحدها أنها يجب لها السكنى دون النفقة، وهو مذهب مالك والشافعي، والثاني يجب لها السكنى والنفقة وهو مذهب أبي حنيفة، والثالث أنها ليس لها سكنى ولا نفقة، فحجة مالك حديث فاطمة بنت قيس، وهو أن زوجها طلقها البتة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لك عليه نفقة، فيؤخذ من هذا أن لها السكنى دون النفقة، وحجة من أوجب لها السكنى: قول عمر بن الخطاب: لا ندع آية من كتاب ربنا لقول امرأة. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: لها السكنى والنفقة، وحجة من لا يجعل لها لا سكنى ولا نفقة أن في بعض الروايات عنها أنها قالت: لم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفقة ولا سكنى، وقوله مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ معناه: أسكنوهن مكانا من بعض مساكنكم فمن للتبعيض، ويفسر ذلك قول قتادة لو لم يكن له إلا بيت واحد أسكنها في بعض جوانبه مِنْ وُجْدِكُمْ الوجد هو الطاقة والسعة في المال فالمعنى: أسكنوهن مسكنا مما تقدرون عليه، وإعرابه عطف بيان لقوله: حيث سكنتم، ويجوز في الوجد ضم الواو وفتحها وكسرها وهو بمعنى واحد، والضم أكثر وأشهر.
وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ اتفق العلماء على وجوب النفقة في العدة للمطلقة الحامل عملا بهذه الآية سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، واتفقوا على أن للمطلقة غير الحامل النفقة في العدة إذا كان الطلاق رجعيا، فإن كان بائنا فاختلفوا في نفقتها حسبما ذكرناه، وأما المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فلا نفقة لها عند مالك والجمهور، لأنهم رأوا أن هذه الآية إنما هي في المطلقات، وقال قوم: لها النفقة في التركة فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المعنى إن أرضع هؤلاء الزوجات المطلقات أولادكم فآتوهن أجرة الرضاع، وهي النفقة وسائر المؤن حسبما ذكر في كتب الفقه وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ هذا خطاب للرجال والنساء، والمعنى أن يأمر كل واحد صاحبه بخير من المسامحة والرفق والإحسان، وقيل: معنى ائتمروا تشاوروا ومنه: إن الملأ يأتمرون بك وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى المعنى إن تشططت الأم على الأب في أجرة الرضاع، وطلبت منه كثيرا، فللأب أن يسترضع لولده امرأة أخرى بما هو أرفق له، إلا أن لا يقبل الطفل غير ثدي أمه، فتجبر حينئذ على رضاعه بأجرة مثلها ومثل الزوج.
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ أمر بأن ينفق كل واحد على مقدار حاله، ولا يكلف الزوج ما لا يطيق، ولا تضيّع الزوجة بل يكون الحال معتدلا. وفي الآية دليل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الناس، وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة فإنه اعتبر الكفاية، ومن عجز عن نفقة امرأته فمذهب مالك والشافعي أنها تطلق عليه خلافا لأبي