ثُمَّ نَظَرَ أي نظر في قوله ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ البسور هو تقطيب الوجه وهو أشد من العبوس، وفعل ذلك من حسده للنبي صلى الله عليه وسلم أي عبس في وجهه عليه الصلاة والسلام، أو عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول ثُمَّ أَدْبَرَ أي أعرض عن الإسلام سِحْرٌ يُؤْثَرُ أي ينقل عمن تقدم وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ تعظيم لها وتهويل لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ مبالغة في وصف عذابها، أي لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها أو لا تبقي شيئا ألقي فيها إلا أهلكته وإذا أهلك لم تذره هالكا بل يعود للعذاب لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ معنى لوّاحة مغيّرة يقال: لوّحه السفر إذا غيره والبشر جمع بشرة وهي الجلدة، فالمعنى أنها تحرق الجلود وتسودها وقيل: لواحة من لاح إذا ظهر، والبشر الناس أي تلوح للناس، وقال الحسن: تلوح لهم من مسيرة خمسمائة عام.
تِسْعَةَ عَشَرَ يعني الزبانية خزنة جهنم فقيل: هم تسعة عشر ملكا وقيل: تسعة عشر صفا من الملائكة والأول أشهر وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً سبب الآية أنه لما نزل عليها تسعة عشر قال أبو جهل: أيعجز عشرة منكم عن واحد من هؤلاء التسعة عشر أن يبطشوا به، فنزلت الآية ومعناها أنهم ملائكة لا طاقة لكم بهم وروي أن الواحد منهم يرمي بالجبل على الكفار وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي جعلناهم هذا العدد ليفتتن الكفار بذلك ويطمعوا أن يغلبوهم ويقولون ما قالوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي ليعلم أهل التوراة والإنجيل أن ما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم من عدد ملائكة النار حق لأنه موافق لما في كتبهم وَلا يَرْتابَ أي لا يشك الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ أن ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم حق، فإن قيل: كيف نفى عنهم الشك بعد أن وصفهم باليقين والمعنى واحد، وهو تكرار؟
فالجواب أنه لما وصفهم باليقين نفى عنهم أن يشكوا فيما يستقبل بعد يقينهم الحاصل الآن، فكأنه وصفهم باليقين في الحال والاستقبال، وقال الزمخشري ذلك مبالغة وتأكيد وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ المرض عبارة عن الشك، وأكثر ما يطلق الذين في قلوبهم مرض على المنافقين. فإن قيل: هذه السورة مكية ولم يكن حينئذ منافقون وإنما حدث المنافقون بالمدينة، فالجواب من وجهين أحدهما أن معناه يقول المنافقون إذا حدثوا ففيه إخبار بالغيب، والآخر أن يريد من كان بمكة من أهل الشك. وقولهم: ماذا أراد الله بهذا مثلا: استبعاد لأن يكون هذا من عند الله وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ يحتمل القصد بهذا وجهين أحدهما وصف جنود الله بالكثرة أي: هم من كثرتهم لا يعلمهم إلا الله، والآخر رفع اعتراض الكفار