للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدها الله عباده هي عند سدرة المنتهى، وقيل: هي جنة أخرى تأوي إليها أرواح الشهداء، والأول أظهر وأشهر

إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى فيه إبهام لقصد التعظيم، قال ابن مسعود: غشيها فراش من ذهب، وقيل: كثرة الملائكة، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فغشيها ألوان لا أدري ما هي، وهذا أولى أن تفسر به الآية ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى أي ما زاغ بصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عما رآه من العجائب، بل أثبتها وتيقنها، وما طغى: أي ما تجاوز ما رأى إلى غيره لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى يعني ما رأى ليلة الإسراء من السموات والجنة والنار والملائكة والأنبياء وغير ذلك. ويحتمل أن تكون الكبرى مفعولا أو نعتا لآيات ربه، والمعنى يختلف على ذلك أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى هذه أوثان كانت تبعد من دون الله، فخاطب الله من كان يعبدها من العرب على وجه التوبيخ لهم، وقال ابن عطية: الرؤيا هنا رؤية العين لأن الأوثان المذكورة أجرام مرئية، فأما اللات فصنم كان بالطائف، وقيل: كان بالكعبة، وأما العزّى فكانت صخرة بالطائف، وقيل: شجرة فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها تدعو بالويل فضربها بالسيف حتى قتلها، وقيل: كانت بيتا تعظمه العرب وأصل لفظ العزى مؤنثة الأعز، وأما مناة فصخرة كانت لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة. وكانت أعظم هذه الأوثان، قال ابن عطية: ولذلك قال تعالى: الثالثة الأخرى فأكدها بهاتين الصفتين، وقال الزمخشري: الأخرى ذم وتحقير أي المتأخرة الوضيعة القدر.

ومنه: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ [الأعراف: ٣٨] أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأوثان بنات الله، فأنكر الله عليهم ذلك أي كيف تجعلون لأنفسكم الأولاد الذكور، وتجعلون لله البنات التي هي عندكم حقيرة بغيضة، وقد ذكر هذا المعنى في النحل وغيرها، ويحتمل أن يكون أنكر عليهم جعل هذه الأوثان شركاء لله تعالى مع أنهن إناث والإناث حقيرة بغيضة عندهم تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «١» أي هذه القسمة التي قسمتم جائرة غير عادلة، يعني جعلهم الذكور لأنفسهم والإناث لله تعالى ووزن ضيزى فعلى بضم الفاء، ولكنها كسرت لأجل الياء التي بعدها إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها الضمير للأوثان، وقد ذكر هذا المعنى في الأعراف: ٧١ في قوله أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني أنهم يقولون أقوالا بغير حجة كقولهم: إن الملائكة بنات الله، وقولهم: إن الأصنام تشفع لهم وغير ذلك أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى أم هنا


(١) . ضيزى: قرأها ابن كثير بالهمز: ضئزى والباقون بالياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>