للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الطعام، فهو على ثلاثة أقسام أحدها: الذبائح وقد اتفق العلماء على أنها مرادة في الآية، فأجازوا كل ذبائح اليهود والنصارى، واختلفوا فيما هو محرم عليهم في دينهم، هل يحل لنا أم لا على ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والكراهة، وهذا الاختلاف مبني على هل هو من طعامهم أم لا فإن أريد بطعامهم ما ذبحوه جاز، وإن أريد به ما يحل لهم منع، والكراهة توسط بين القولين القسم الثاني ما لا محاولة لهم فيه كالقمح والفاكهة فهو جائز لنا باتفاق، والثالث: ما فيه محاولة: كالخبز، وتعصير الزيت، وعقد الجبن وشبه ذلك مما يمكن استعمال النجاسة فيه، فمنعه ابن عباس لأنه رأى أن طعامهم هو الذبائح خاصة، ولأنه يمكن أن يكون نجسا، وأجازه الجمهور، لأنه رأوه داخلا في طعامهم، هذا إذا كان استعمال النجاسة فيه محتملا، فأما إذا تحققنا استعمال النجاسة فيه كالخمر والخنزير والميتة، فلا يجوز أصلا وقد صنف الطرطوشي في تحريم جبن النصارى، وقال: إنه ينجس البائع والمشتري والآلة، لأنهم يعقدونه بأنفحة الميتة، ويجري مجرى ذلك الزيت إذا علمنا أنهم يجعلونه في ظروف الميتة وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ هذه إباحة للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من طعامهم وَالْمُحْصَناتُ عطف على الطعام المحلل، وقد تقدّم أن الإحصان له أربعة معان: الإسلام، والتزوج والعفة، والحرية. فأما الإسلام فلا يصح هنا لقوله من الذين أوتوا الكتاب، وأما التزوج فلا يصح أيضا لأن ذات الزوج لا تحل لغيره، ويحتمل هنا العفة والحرية، فمن حمله على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أو أمة، ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة، وهو مذهب مالك، ولا تعارض بين هذه الآية. وبين قوله: ولا تنكحوا المشركات لأن هذه في الكتابيات، والأخرى في المشركات، وقد جعل بعض الناس هذه ناسخة لتلك، وقيل: بالعكس، وقد تقدم معنى «فآتوهن أجورهن» ومعنى الأخدان:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [النساء: ٢٥] الآية: نزلت في غزوة المريسيع، حين انقطع عقد عائشة رضي الله عنها، فأقام الناس على التماسه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فنزلت الرخصة في التيمم، فقال أسيد بن حضير: ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر، ولذلك سميت الآية آية التيمم، وقد كان الوضوء مشروعا قبلها، ثابتا بالسنة، وقوله: إذا قمتم إلى الصلاة معناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا. ويقتضي ظاهرها وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة، وهو مذهب ابن سيرين وعكرمة. ومذهب الجمهور: أنه لا يجب، واختلفوا في تأويل الآية على أربعة أقوال: الأول: أن وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة منسوخ بفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ صلّى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد، والثاني: أن ما تقتضيه الآية من التجديد يحمل على الندب، والثالث: أن تقديرها إذا قمتم محدثين فإنما يجب على من أحدث، والرابع: أن تقديرها إذا قمتم من النوم فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ذكر في

<<  <  ج: ص:  >  >>