للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: لا تمنن على الناس بنبوتك تستكثر بأجر أو مكسب تطلبه، الثاني: لا تمنن على الله بعملك تستكثر أعمالك وتقع لك بها إعجاب، وإن كان من الضعف فمعناه لا تضعف عن تبليغ الرسالة وتستكثر ما حملناك من ذلك

وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أي اصبر لوجهه وطلب رضاه، ويحتمل أن يريد الصبر على المكاره والمصائب، أو على إذاية الكفار له، أو على العبادة فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ يعني نفخ في الصور، ويحتمل أن يريد النفخة الأولى والثانية.

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً هذا وعيد وتهديد، ونزلت الآية في الوليد بن المغيرة باتفاق، وفي معنى وَحِيداً ثلاثة أقوال: أحدها: روي أنه كان يلقب الوحيد، أي لا نظير له في ماله وشرفه، وكونه وحيدا نعمة عددها الله عليه، الثاني: أن معناه خلقته منفردا ذليلا، الثالث: أن معناه خلقته وحدي فوحيدا على هذا من صفة الله تعالى، وإعرابه على هذا حال من الضمير الفاعل في قوله خلقت وهو على القولين الأولين حال من الضمير المفعول وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً أي كثيرا، واختلف في مقداره فقيل: ألف دينار، وقيل عشرة آلاف دينار، وقيل: يعني الأرض لأنها مدت وَبَنِينَ شُهُوداً أي حضورا، وروي أنه كان له عشرة من الأولاد، وقيل: ثلاث عشرة لا يفارقونه. وأسلم منهم ثلاثة وهم: خالد وهشام وعمار وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أي بسطت له في الدنيا بالمال والقوة وطيب العيش ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ أي يطمع في الزيادة على ما أعطاه الله، وهذا غاية الحرص كَلَّا زجر عما طمع فيه من الزيادة عَنِيداً أي معاندا مخالفا، والآيات هنا يراد بها القرآن لأن الوليد قال فيه:

إنه سحر، ويحتمل أن يريد الدلائل سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً الصعود العقبة الصعبة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها عقبة في جهنم، كلما صعدها الإنسان ذاب ثم يعود، فالمعنى سأشق عليه بتكليفه الصعود فيها.

إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ أي فكر فيما يقول، وقدر في نفسه ما يقول في القرآن أي: هيّأ كلامه، روي أن الوليد سمع القرآن فأعجبه وكاد يسلم، ودخل إلى أبي بكر الصديق فعاتبه أبو جهل، وقال له: إن قريشا قد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في كلام محمد قولا يرضيهم، فافتتن وقال: أفعل ذلك ثم فكر فيما يقول في القرآن فقال: أقول شعر ما هو شعر، أقول كهانة ما هو بكهانة، أقول إنه سحر وإنه قول البشر ليس منزلا من عند الله فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ دعاء عليه وذم، وكرره تأكيدا لذمه وتقبيح حاله، قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون مقتضاه استحسان منزعه الأول حين أعجبه القرآن، فيكون قوله: قتل لا يراد به الدعاء عليه، وإنما هو كقولهم: قاتل الله فلانا ما أشجعه، يريدون التعجب من حاله واستعظام وصفه، وقال الزمخشري: يحتمل أن يكون ثناء عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>