للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قربى فهو مصدر من يقربونا إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ إشارة إلى كذبهم في قولهم: ليقربونا إلى الله وقوله: لا يَهْدِي في تأويله وجهان: أحدهما لا يهديه في حال كفره والثاني أن ذلك مختصّ بمن قضي عليه بالموت على الكفر، أعاذنا الله من ذلك. وهذا تأويل: لا يهدي القوم الظالمين والكافرين حيثما وقع لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ الولد يكون على وجهين: أحدهما بالولادة الحقيقية وهذا محال على الله تعالى لا يجوز في العقل والثاني التبني بمعنى الإختصاص والتقريب، كما يتخذ الإنسان ولد غيره ولدا لإفراط محبته له، وذلك ممتنع على الله بإخبار الشرع فإن قوله: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً يعم نفي الوجهين، فمعنى الآية على ما أشار إليه ابن عطية: لو أراد الله أن يتخذ ولدا على وجه التبني لاصطفى لذلك مما يخلق من موجوداته ومخلوقاته، ولكنه لم يرد ذلك ولا فعله، وقال الزمخشري: معناه لو أراد الله اتخاذ الولد لامتنع ذلك، ولكنه يصطفي من عباده من يشاء على وجه الإختصاص والتقريب، لا على وجه اتخاذه ولدا، فاصطفى الملائكة وشرفهم بالتقريب، فحسب الكفار أنهم أولاده، ثم زادوا على ذلك أن جعلوهم إناثا، فأفرطوا في الكفر والكذب على الله وملائكته.

سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ نزه تعالى نفسه من اتخاذ الولد، ثم وصف نفسه بالواحد لأن الوحدانية تنافي اتخاذ الولد لأنه لو كان له ولد لكان من جنسه، ولا جنس له لأنه واحد، ووصف نفسه بالقهار ليدل على نفي الشركاء والأنداد، لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى، فكيف يكون شريكا له؟ ثم أتبع ذلك بما ذكره من خلقة السموات والأرض وما بينهما، ليدل على وحدانيته وقدرته وعظمته يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ التكوير اللف والليّ، ومنه: كوّر العمامة التي يلتوي بعضها على بعض وهو هنا استعارة، ومعناه على ما قال ابن عطية: يعيد من هذا على هذا، فكأن الذي يطيل من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزءا فيستره، وكأن الذي ينقص يدخل في الذي يطول فيستتر فيه. ويحتمل أن يكون المعنى أن كل واحد منهما يغلب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في ستره له بثوب يلف على الآخر لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني يوم القيامة

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم عليه السلام ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها يعني حواء خلقها من ضلع آدم، فإن قيل: كيف عطف قوله: ثم جعل على خلقكم بثم التي تقتضي الترتيب والمهلة، ولا شك أن خلقة حواء كانت قبل خلقة بني آدم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول وهو المختار أن العطف إنما هو على معنى قوله: واحدة لا على خلقكم كأنه قال: خلقكم من نفس كانت واحدة ثم خلق

<<  <  ج: ص:  >  >>