وَذَرُوا الْبَيْعَ أمر بترك البيع يوم الجمعة إذا أخذ المؤذنون في الأذان، وذلك على الوجوب، فيقتضي تحريم البيع. واختلف في البيع الذي يعقد في ذلك الوقت هل يفسخ أم لا؟ واختلف في بيع من لا تلزمهم الجمعة من النساء والعبد هل يجوز في ذلك الوقت أم لا؟ والأظهر جوازه لأنه إنما منع منه من يدعى إلى الجمعة
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ هذا الأمر للإباحة باتفاق، وحكى الإجماع على ذلك ابن عطية وابن الفرس وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ قيل: معناه طلب المعاش، فالأمر على هذا للإباحة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
الفضل المبتغى عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة وقيل: هو طلب العلم وإن صح الحديث لم يعدل إلى سواه.
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها سبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عير [قافلة] من الشام بطعام، وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي، وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سرورا بها، فلما دخلت العير كذلك انفض أهل المسجد إليها، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا. قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم. وذكر بعضهم أن منهم العشرة المشهود لهم بالجنة واختلف في الثاني عشر فقيل: عبد الله بن مسعود وقيل:
عمار بن ياسر وقيل: إنما بقي معه صلى الله عليه وسلم ثمانية وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لهؤلاء: لقد كانت الحجارة سوّمت في السماء على المنفضين. وظاهر الآية يقتضي أن الجماعة شرط في الجمعة وهو مذهب مالك والجمهور، إلا أنهم اختلفوا في مقدار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة؟ فقال مالك ليس في ذلك عدد محدود، وإنما هم جماعة تقوم بهم قرية. وروى ابن الماجشون عن مالك ثلاثون. وقال الشافعي: أربعون وقال أبو حنيفة: ثلاثة مع الإمام وقيل: اثنا عشر عدد الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قيل: لم قال انفضوا إليها بضمير المفرد وقد ذكر التجارة واللهو؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه أراد انفضوا إلى اللهو وانفضوا إلى التجارة، ثم حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه. قاله الزمخشري. والآخر أنه قال ذلك مهتما بالتجارة إذ كانت أهم، وكانت هي سبب اللهو، ولم يكن اللهو سببها قاله ابن عطية.
وَتَرَكُوكَ قائِماً اختلفوا في القيام في الخطبة هل هو واجب أم لا؟ وإذا قلنا بوجوبه فهل هو شرط فيها أم لا فمن أوجبه واشترطه أخذ بظاهر الآية من ذكر القيام. ومن لم يوجبه رأى أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لم يكن على الوجوب. ومذهب مالك أن من سنة الخطبة الجلوس قبلها والجلوس بين الخطبتين وقال أبو حنيفة: لا يجلس بين الخطبتين