صنما معبودا في داره، وسليمان لا يعلم حتى مضت أربعون يوما، فلما علم به كسره فالفتنة على هذا عمل الصورة، والجسد هو الصورة والقول الثالث أن سليمان كان له ولد وكان يحبه حبا شديدا، فقالت الجن إن عاش هذا الولد ورث ملك أبيه فبقينا في السخرة أبدا فلم يشعر إلا وولده ميت على كرسيه، فالفتنة على هذا حبه الولد، والجسد هو الولد لما مات وسمي جسدا لأنه جسد بلا روح، القول الرابع أنه قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فلم تحمل إلا واحدة بشق إنسان، فالفتنة على هذا كونه لم يقل إن شاء الله، والجسد هو شق الإنسان الذي ولد له، فأما القول الأول فضعيف من طريق النقل مع أنه يبعد ما ذكر فيه من سلب ملك سليمان وتسليط الشياطين عليه، وأما القول الثاني فضعيف أيضا مع أنه يبعد أنه يعبد صنم في بيت نبي، أو يأمر نبي بعمل صنم، وأما القول الثالث فضعيف أيضا، وأما القول الرابع فقد روي في الحديث الصحيح «١» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يذكر في الحديث أن ذلك تفسير الآية.
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قدم الاستغفار على طلب الملك، لأن أمور الدين كانت عندهم أهم من الدنيا فقدّم الأولى والأهمّ، فإن قيل: لأي شيء قال لا ينبغي لأحد من بعدي، وظاهر هذا طلب الانفراد به حتى قال فيه الحجاج إنه كان حسودا؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه إنما قال ذلك لئلا يجرى عليه مثل ما جرى من أخذ الجني لملكه، فقصد أن لا يسلب ملكه عنه في حياته ويصير إلى غيره، والآخر أنه طلب ذلك ليكون معجزة، دلالة على نبوته فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ معنى رخاء لينة طيبة، وقيل: طائعة له، وقد ذكرنا الجمع بين هذا وبين قوله عاصِفَةً في الأنبياء: ٨١، وحيث أصاب: أي حيث قصد وأراد وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ الشياطين معطوف على الريح، وكل بناء بدل من الشياطين أي سخرنا له الريح والشياطين من يبني منهم ومن يغوص في البحر وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ أي آخرين من الجنّ موثقون في القيود والأغلال هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ الإشارة إلى الملك الذي أعطاه الله له، والمعنى أن الله قال له: أعط من شئت وامنع من شئت، وقيل: المعنى امنن على من شئت من الجنّ بالإطلاق من القيود، وأمسك من شئت منهم في القيود، والأوّل أحسن وهو قول ابن عباس بِغَيْرِ حِسابٍ يحتمل ثلاثة معان: أحدها أنه لا يحاسب في الآخرة على ما فعل، والآخر بغير تضييق عليك في الملك، والثالث بغير حساب ولا عدد بل خارج عن الحصر وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ قد ذكر في قصة داود.
(١) . رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير من حديث أبي هريرة باب ٢٣ ص ٢٠٩/ ٣.