أرسل من قبله والمراد بقوله: لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك أنهم محتاجون إلى الإنذار، لكونهم لم يتقدم من ينذرهم فاختلف سياق الكلام فلا تعارض بينهما.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم للتأسي نَكِيرِ ذكر في سبأ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها يريد الصفرة والحمرة وغير ذلك من الألوان، وقيل: يريد الأنواع والأول أظهر لذكره البيض والحمر والسود بعد ذلك. وفي الوجهين دليل على أن الله تعالى فاعل مختار، يخلق ما يشاء ويختار. وفيه ردّ على الطبائعيين [الدهريين] لأن الطبيعة لا يصدر عنها إلا نوع واحد جُدَدٌ جمع جدة وهي الخطط والطرائق في الجبال وَغَرابِيبُ جمع غربيب وهو الشديد السواد، وقدم الوصف الأبلغ، وكان حقه أن يتأخر لقصد التأكيد، ولأن ذلك كثيرا ما يأتي في كلام العرب كَذلِكَ يتعلق بما قبله فيتم الوقف عليه والمعنى: أن من الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه، مثل الجبال المختلف ألوانها، والثمرات المختلف ألوانها، وذلك كله استدلال على قدرة الله وإرادته.
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ يعني العلماء بالله وصفاته وشرائعه علما يوجب لهم الخشية من عذابه وفي الحديث: أعلمكم بالله أشدكم له خشية «١» لأن العبد إذا عرف الله خاف من عقابه وإذا لم يعرفه لم يخف منه فلذلك خص العلماء بالخشية إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ أي يقرءون القرآن وقيل: معنى يتلون: يتبعون والخبر يرجون تجارة أو محذوف لَنْ تَبُورَ أي لن تكسد ويعني بالتجارة طلب الثواب وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ توفية الأجور، وهو ما يستحقه المطيع من الثواب، والزيادة التضعيف فوق ذلك، وقيل: الزيادة النظر إلى وجه الله مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ تقدم في البقرة.
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والتوريث عبارة عن أن الله أعطاهم الكتاب بعد غيرهم من الأمم فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ قال عمر وابن مسعود وابن عباس وكعب وعائشة وأكثر المفسرين هذه الأصناف
(١) . لم أعثر عليه بهذا اللفظ ومعناه صحيح والله أعلم.