للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي بعده وهي المفسرة له، والله مبتدأ وأحد خبره وقيل: الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل: الله بدل وأحد هو الخبر. وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك: ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله: ولم يكن له كفوا أحد والآخر أن يكون بمعنى واحد وأصله وحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا.

واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى.

الأول أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد. والثاني أنه واحد لا نظير ولا شريك له كما تقول: فلان واحد عصره أي لا نظير له والثالث أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [البقرة: ١٦٣] قال الزمخشري أحد وصف بالوحدانية ونفي الشركاء قلت: وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثير جدا أوضحها أربعة براهين: الأول قوله أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل: ١٧] لأنه إذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكا له، والثاني قوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] والثالث قوله قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا والرابع قوله: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ [المؤمنون: ٩١] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [البقرة: ١٦٣]

اللَّهُ الصَّمَدُ في معنى الصمد ثلاثة أقوال: أحدها أن الصمد الذي يصمد إليه في الأمور أي يلجأ إليه والآخر أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ والثالث أنه الذي لا جوف له، والأول هو المراد هنا على الأظهر، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه أي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها. ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير! لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم «وقالوا اتخذ الله ولدا» ثم أعقبه بقوله إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [مريم: ٩٣] وقوله بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ [البقرة: ١١٧] وقوله:

وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [البقرة: ١١٦] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهانا على نفي الولد، قال الزمخشري: صمد فعل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج لَمْ يَلِدْ. هذا ردّ على كل من جعل لله ولدا فمنهم النصارى في قولهم: «عيسى ابن الله» واليهود في قولهم: «عزير ابن الله» والعرب في قولهم: «الملائكة بنات الله» وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد، وأوضحها أربعة أقوال: الأول، أن الولد لا بد أن يكون من جنس والده. والله تعالى ليس له جنس فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>