للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبعثكم من قبوركم

فَوَلِّ وَجْهَكَ الأمر كرر للتأكيد أو ليناط به ما بعده لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ الآية: معناها أنّ الصلاة إلى الكعبة تدفع حجة المعترضين من الناس، فإن أريد اليهود فحجتهم أنهم يجدون في كتبهم أنّ النبي صلّى الله عليه واله وسلّم يتحوّل إلى الكعبة، فلما صلّى إليها لم تبق لهم حجة على المسلمين، وإن أريد قريش فحجتهم أنهم قالوا: قبلة آبائه أولى به إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أي من يتكلم بغير حجة ويعترض التحوّل إلى الكعبة، والاستثناء متصل لأنه استثناء من عموم الناس. ويحتمل الانقطاع على أن يكون استثناء ممن له حجة، فإن الذين ظلموا هم الذين ليس لهم حجة وَلِأُتِمَّ متعلق بمحذوف أي فعلت ذلك لأتمّ، أو معطوف على لئلّا يكون كَما أَرْسَلْنا متعلق بقوله لأتمّ، أو بقوله فاذكروني والأول أظهر، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

قال: سعيد بن المسيب: معناه اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب وقيل اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحو ذلك، وقد أكثر المفسرون، لا سيما المتصوّفة في تفسير هذا الموضع بألفاظ لها معاني مخصوصة، ولا دليل على التخصيص، وبالجملة فهذه الآية بيان لشرف الذكر وبينها قول رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم كما يرويه عن ربه: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه: ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ: ذكرته في ملأ خير منهم» «١» .

والذكر ثلاثة أنواع: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وبهما معا، واعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة، وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال: كالصلاة وغيرها فإنّ ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى.

والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه الأوّل النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال، قال رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله» «٢» . وسئل رسول الله صلّى الله


(١) . متفق عليه وعزاه المناوي في الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية للبيهقي عن أبي هريرة وروى مسلم بعضه عن أنس.
(٢) . رواه الترمذي عن أبي الدرداء ص ٤٥٩ ج ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>