للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه النازلة، وأن داود لم يخطئ فيها، ولكنه رجع إلى ما هو أرجح، ويدل على هذا القول أن كل مجتهد مصيب، وقيل: بل يعني حكما وعلما في غير هذه النازلة، وعلى هذا القول فإنه أخطأ فيها، وأن المصيب واحد من المجتهدين وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ كان هذا التسبيح قول سبحان الله، وقيل: الصلاة معه إذا صلى، وقدم الجبال على الطير، لأن تسبيحها أغرب إذ هي جماد وَكُنَّا فاعِلِينَ أي قادرين على أن نفعل هذا.

وقال ابن عطية: معناه كان ذلك في حقه لأجل أن داود استوجب ذلك مناصفة كذا! صَنْعَةَ لَبُوسٍ يعني دروع الحديد، وأول من صنعها داود عليه السلام، وقال ابن عطية اللبوس في اللغة: السلاح وقال الزمخشري: اللبوس اللباس لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ أي لتقيكم في القتال وقرئ «١» بالياء والتاء والنون، فالنون لله تعالى، والتاء للصنعة، والياء لداود أو للبوس فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ لفظ استفهام، ومعناه استدعاء إلى الشكر وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً عطف الريح على الجبال، والعاصفة هي الشديدة فإن قيل: كيف يقال عاصفة؟ وقال في [ص: ٣٦] رخاء أي لينة؟ فالجواب: أنها كانت في نفسها لينة طيبة، وكانت تسرع في جريها كالعاصف فجمعت الوصفين، وقيل: كانت رخاء في ذهابه، وعاصفة في رجوعه إلى وطنه، لأن عادة المسافرين الإسراع في الرجوع وقيل: كانت تشتدّ إذا رفعت البساط وتلين إذا حملته إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها يعني أرض الشام، وكانت مسكنه وموضع ملكه، فخص في الآية الرجوع إليها لأنه يدل على الانتقال منها يَغُوصُونَ لَهُ أي يدخلون في الماء ليستخرجوا له الجواهر من البحار عَمَلًا دُونَ ذلِكَ أقل من الغوص كالبنيان والخدمة وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أي نحفظهم عن أن يزيغوا عن أمره، أو نحفظهم من إفساد ما صنعوه، وقيل: معناه عالمين بعددهم.

وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ كان أيوب عليه السلام نبيا من الروم، وقيل من بني إسرائيل، وكان له أولاد ومال كثير فأذهب الله ماله فصبر، ثم أهلك الأولاد فصبر، ثم سلط البلاء «٢» على جسمه فصبر إلى أن مر به قومه فشمتوا به، فحينئذ دعا الله تعالى، على أن قوله:

مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ليس تصريحا بالدعاء، ولكنه ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، ووصف ربه بغاية الرحمة ليرحمه، فكان في ذلك من حسن التلطف ما ليس في التصريح بالطلب

فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ لما استجاب الله له أنبع له عينا من ماء فشرب منه


(١) . قرأ ابن عامر وحفص لتحصنكم وقرأ أبو بكر: لنحصنكم بالنون وقرأ الباقون ليحصنكم بالياء.
(٢) . المراد بالبلاء المرض الذي أصابه وهو مرض باطني لا تنفر منه الطباع البشرية لعصمة الأنبياء من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>