للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ أي تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحل الله لك يعني تحريمه للجارية ابتغاء رضا حفصة، وهذا يدل على أنها نزلت في تحريم الجارية، وأما تحريم العسل فلم يقصد فيه رضا أزواجه وإنما تركه لرائحته وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ في هذا إشارة إلى أن الله غفر له ما عاتبه عليه من التحريم، على أن عتابه في ذلك إنما كان كرامة له، وإنما وقع العتاب على تضييقه عليه السلام على نفسه، وامتناعه مما كان له فيه أرب، وبئس ما قال الزمخشري في أن هذا كان منه زلة لأنه حرّم ما أحل الله، وذلك قلة أدب على منصب النبوة

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التحلة هي الكفارة وأحال تعالى هنا على ما ذكر في سورة المائدة [٨٩] من صفتها، واختلف في المراد بها هنا فأما على قول من قال: إن الآية نزلت في تحريم الجارية فاختلف في ذلك. فمن قال إن التحريم يلزم فيه كفارة يمين استدل بها، ومن قال: إن التحريم يلزم فيه طلاق قال: إن الكفارة هنا إنما هي لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلف وقال: والله لا أطؤها أبدا. وأما على القول بأن الآية نزلت في تحريم العسل فاختلف أيضا فمن أوجب في تحريم الطعام كفارة قال:

هذه الكفارة للتحريم ومن قال: لا كفارة فيه قال: إنما هذه الكفارة لأنه حلف ألا يشربه، وقيل: هي في يمينه عليه السلام أن لا يدخل على نسائه شهرا وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ يحتمل أن يكون المولى بمعنى الناصر أو بمعنى السيد الأعظم.

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً اختلف في هذا الحديث على ثلاثة أقوال:

أحدها أنه تحريم الجارية، فإنه لما حرمها قال لحفصة: لا تخبري بذلك أحدا، والآخر أنه قال: إن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده، والثالث أنه قوله شربت عسلا والأول أشهر وبعض أزواجه حفصة فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ كانت حفصة قد أخبرت عائشة بما أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم الجارية، فأخبر الله رسوله عليه السلام بذلك، فعاقب حفصة على إفشائها لسره فطلقها، ثم أمره الله بمراجعتها فراجعها. وقيل: لم يطلقها. فقوله فلما نبأت به حذف المفعول وهو عائشة. وقوله:

وأظهره الله عليه أي أطلعه على إخبارها به، وقوله: عرف بعضه أي عاتب حفصة على بعضه وأعرض عن بعض حياء وتكريما، فإن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات والتقصير في العتاب، وقرأ [الكسائي] عرف بالتخفيف من المعرفة فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا أي لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بأنها قد أفشت سره، ظنت بأن عائشة هي التي أخبرته فقالت له: من أنبأك هذا؟ فلما أخبرها أن الله هو الذي أنبأه سكتت وسلمت.

إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما هذا خطاب لعائشة وحفصة، وتوبتهما مما

<<  <  ج: ص:  >  >>