وقد خرج حديث الإفك البخاري ومسلم وغيرهما، واختصاره أن عائشة خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فضاع لها عقد فتأخرت على التماسه حتى رحل الناس، فجاء رجل يقال له صفوان بن المعطل، فرآها فنزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ الجيش، فقال أهل الإفك في ذلك ما قالوا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بال رجال رموا أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وسأل جارية عائشة، فقالت: والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر.
والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين، ولم يذكر في الحديث من أهل الإفك إلا أربعة، وهم: عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين، وحمنة بنت جحش، ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت، وقيل: إن حسّان لم يكن منهم وارتفاع عصبة لأنه خبر إن، واختار ابن عطية أن يكون عصبة بدلا من الضمير في جاءوا، ويكون الخبر لا تحسبوه شرا لكم على تقدير: إن حديث الذين جاءوا بالإفك، والأول أظهر بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ خطاب للمسلمين، والخير في ذلك من خمسة أوجه: تبرئة أم المؤمنين، وكرامة الله لها بإنزال الوحي في شأنها، والأجر الجزيل لها في الفرية عليها، وموعظة المؤمنين، والانتقام من المفترين وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ هو عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، وقيل الذي بدأ بهذه الفرية غير معين، والعذاب العظيم هنا يحتمل أن يراد به الحدّ أو عذاب الآخرة.
كان ينبغي للمؤمنين والمؤمنات أن يقيسوا ذلك الأمر على أنفسهم، فإن كان ذلك يبعد في حقهم، فهو في حق عائشة أبعد لفضلها، وروي أن هذا النظر وقع لأبي أيوب الأنصاري، فقال لزوجته:
أكنت أنت تفعلين ذلك، قالت: لا والله، قال فعائشة أفضل منك؟ قالت نعم، فإن قيل: لم قال:
سمعتموه بلفظ الخطاب، ثم عدل إلى لفظ الغيبة في قوله: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ، ولم يقل ظننتم؟
فالجواب أن ذلك التفات، قصد به المبالغة والتصريح بالإيمان، الذي يوجب أن لا يصدق المؤمن على المؤمن شرا لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ لولا هنا عرض، والضمير في جاءوا لأهل الإفك، ثم حكم الله بكذبهم إذ لم يأتوا بالشهداء أَفَضْتُمْ فِيهِ يقال أفاض في الحديث وخاض فيه إذا أكثر الكلام فيه
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ العامل في إذ قوله مسكم أو أفضتم، ومعنى تلقونه:
يأخذه بعضكم من بعض، وفي هذا الكلام وفي الذي قبله وبعده عتاب لهم على خوضهم في حديث الإفك، وإن كانوا لم يصدقوه، فإن الواجب كان الإغضاء عن ذكره والترك له بالكلية،