وفي الكلام حذف تقديره: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم كَذَّبُوا الرُّسُلَ تأويله كما ذكر في قوله في هود فعصوا رسله وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ يحتمل أن يريد بالظالمين من تقدم ووضع هذا الاسم الظاهر موضع المضمر لقصد وصفهم بالظلم، أو يريد الظالمين على العموم وَأَصْحابَ الرَّسِّ معنى الرس في اللغة: البئر، واختلف في أصحاب الرس: فقيل هم من بقية ثمود وقيل: من أهل اليمامة، وقيل من أهل أنطاكية، وهم أصحاب يس، واختلف في قصتهم فقيل بعث الله إليهم نبيا فرموه في بئر فأهلكهم الله، وقيل: كانوا حول بئر لهم فانهارت بهم فهلكوا وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً يقتضي التكثير والإبهام، والإشارة بذلك إلى المذكور قبل من الأمم ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ أي بينا له تَبَّرْنا أي أهلكنا وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الضمير في أتوا لقريش وغيرهم من الكفار، والقرية قرية قوم لوط، ومطر السوء الحجارة ثم سألهم على رؤيتهم لها لأنها في طريقهم إلى الشام، ثم أخبر أن سبب عدم اعتبارهم بها كفرهم بالنشور. ويَرْجُونَ كقوله: يَرْجُونَ لِقاءَنا، وقد ذكر أَهذَا الَّذِي حكاية قولهم على وجه الاستهزاء، فالجملة في موضع مفعول لقول محذوف يدل عليه هذا، وقوله «إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا» استئناف جملة أخرى وتم كلامهم، واستأنف كلام الله تعالى في قوله «وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» الآية على وجه التهديد لهم اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أي أطاع هواه حتى صار كأنه له إله بَلْ هُمْ أَضَلُّ لأن الأنعام ليس لها عقول، وهؤلاء لهم عقول ضيعوها، ولأن الأنعام تطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وهؤلاء يتركون أنفع الأشياء وهو الثواب، ولا يخافون أضرّ الأشياء وهو العقاب.
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ أي إلى صنع ربك وقدرته مَدَّ الظِّلَّ قيل: مدّة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأن الظل حينئذ على الأرض كلها، واعترضه ابن عطية لأن ذلك الوقت من الليل، ولا يقال ظل بالليل، واختار أن مدّ الظل من الإسفار إلى طلوع الشمس وبعد مغيبها بيسير، وقيل: معنى مد الظل أي جعله يمتدّ وينبسط وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي ثابتا غير زائل لكنه جعله يزول بالشمس، وقيل: معنى ساكن غير منبسط على الأرض، بل يلتصق بأصل الحائط والشجرة ونحوها ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا قيل:
معناه أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها، في سيرها على الظل متى يتسع ومتى ينقبض،