الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى على المهاجرين دون الأنصار قال للأنصار: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وشاركتموهم في هذه الغنيمة. وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه فقالوا: بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة «١» ، وروي أيضا أن سببها أن رجلا من الأنصار أضاف رجلا من المهاجرين فذهب الأنصاري بالضيف إلى منزله فقالت له امرأته: والله ما عندنا إلا قوت الصبيان. فقال لها:
نوّمي صبيانك وأطفئي السراج، وقدمي ما عندك للضيف، ونوهمه نحن أنا نأكل ولا نأكل.
ففعلا ذلك، فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: عجب الله من فعلكما البارحة ونزلت الآية وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ شحّ النفس: هو البخل والطمع وفي هذا إشارة إلى أن الأنصار وقاهم الله شح أنفسهم فمدحهم الله بذلك، وبأنهم يؤثرون على أنفسهم وبأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي المهاجرون وأنهم يحبون المهاجرين.
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ هذا معطوف على المهاجرين والأنصار المذكورين قبل، فالمعنى أن الفيء للمهاجرين والأنصار ولهؤلاء الذين جاءوا من بعدهم، ويعني بهم الفرقة الثالثة من الصحابة وهم من عدا المهاجرين والأنصار كالذين أسلموا يوم فتح مكة. وقيل:
يعني من جاء بعد الصحابة وهم التابعون ومن تبعهم إلى يوم القيامة، وعلى هذا حملها مالك فقال: إن من قال في أحد من الصحابة قول سوء فلا حظ له في الغنيمة والفيء، لأن الله وصف الذين جاءوا بعد الصحابة بأنهم: يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، فمن قال ضدّ ذلك فقد خرج عن الذين وصفهم الله.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا الآية: نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول وقوم من المنافقين بعثوا إلى بني النضير، وقالوا لهم: اثبتوا في حصونكم فإنا معكم كيف ما تقلبت حالكم وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً أي لا نسمع فيكم قول قائل، ولا نطيع من يأمرنا بخذلانكم، ثم كذبهم الله في هذه المواعيد التي وعدوا بها، فإن قيل: كيف قال لئن نصروهم ليولنّ الأدبار بعد قوله لا ينصرونهم؟ فالجواب: أن المعنى على الفرض والتقدير أي لو فرضنا أن ينصروهم لولوا الأدبار لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ الرهبة هي
(١) . هذا معنى: ويؤثرون على أنفسهم. وقد مدحهم الله بالإيثار ولو كان بهم خصاصة.