للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفا والمروة، والسعي بينهما واجب عند مالك والشافعي، وإنما جاء بلفظ يقتضي الإباحة لأن بعض الصحابة امتنعوا من السعي بينهما، لأنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له أساف، وعلى المروة صنم يقال له نائلة، فخافوا أن يكون السعي بينهما تعظيما للصنمين، فرفع الله ما وقع في نفوسهم من ذلك، ثم إنّ السعي بينهما للسنّة، قالت عائشة رضي الله عنها، «سن رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم السعي بين الصفا والمروة، وليس لأحد تركه، وقيل: إنّ الوجوب يؤخذ من قوله «شعائر الله» وهذا ضعيف لأنّ شعائر الله: منها واجبة، ومنها مندوبة، وقد قيل: إنّ السعي مندوب يَطَّوَّفَ أصله يتطوف ثم أدغمت التاء في الطاء وهذا الطواف يراد به السعي سبعة أشواط وَمَنْ تَطَوَّعَ عاما في أفعال البر، وخاصة في الوجوب من السنة أو معنى التطوّع بحج بعد حج الفريضة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ أمر محمد صلّى الله عليه واله وسلّم في الكتاب التوراة هنا اللَّاعِنُونَ الملائكة والمؤمنون، وقيل: المخلوقات إلّا الثقلين، وقيل: البهائم لما يصيبهم من الجدب لذنوب الكاتمين للحق وبينوا أي شرط في توبتهم أن يبينوا لأنهم كتموا وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ هم المؤمنون فهو عموم يراد به الخصوص، لأنّ المؤمنين هم الذين يعتد بلعنهم للكافرين، وقيل يلعنهم جميع الناس خالِدِينَ فِيها أي في اللعنة، وقيل في النار وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ من أنظر إذا أخر، أي لا يؤخرون عن العذاب ولا يمهلون أو من نظر لقوله: «لا ينظر إليهم» إلّا أن يتعدّى بإلى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى: أحدها: أنه لا ثاني له فهو نفي للعدد، والآخر: أنه لا شريك له، والثالث: أنه لا يتبعض ولا ينقسم، وقد فسر المراد به هنا في قوله لا إله إلّا هو.

واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات الأولى: توحيد عامة المسلمين وهو الذي يعصم النفس من الهلك في الدنيا، وينجي من الخلود في النار في الآخرة وهو نفي الشركاء والأنداد، والصاحبة والأولاد، والأشباه والأضداد. الدرجة الثانية: توحيد الخاصة، وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن، وإنما مقام الخاص في التوحيد يغني «١» في القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل، وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله والتوكل عليه وحده واطراح جميع الخلق، فلا يرجو إلّا الله، ولا يخاف أحدا سواه إذ ليس يرى فاعلا إلّا إياه


(١) . لعل مراد المؤلف رحمه الله: يقع أو يحصل. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>