فوضع السبب موضع المسبب، وقيل: يأكلون النار في جهنم حقيقة وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عبارة عن غضبه عليهم، وقيل: لا يكلمهم بما يحبون وَلا يُزَكِّيهِمْ لا يثني عليهم فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ تعجب من جرأتهم على ما يقودهم إلى النار أو من صبرهم على عذاب النار في الآخرة، وقيل: إنها استفهام، وأصبرهم بمعنى صبرهم، وهذا بعيد، وإنما حمل قائله عليه اعتقاده أن التعجب مستحيل على الله لأنه استعظام خفي سببه، وذلك لا يلزم فإنه في حق الله غير خفي السبب ذلِكَ إشارة إلى العذاب ورفعه بالابتداء أو بفعل مضمر بِأَنَّ اللَّهَ الباء سببية نَزَّلَ الْكِتابَ القرآن هنا بِالْحَقِّ أي بالواجب، أو بالإخبار الحق أي الصادق، والباء فيه سببية أو للمصاحبة الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ اليهود والنصارى، والكتاب على هذا التوراة والإنجيل، وقيل: الذين اختلفوا العرب، والكتاب على هذا القرآن، ويحتمل جنس الكتاب في الموضعين لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أي بعيد من الحق والاستقامة.
لَيْسَ الْبِرَّ الآية: خطاب لأهل الكتاب لأن المغرب قبلة اليهود، والمشرق قبلة النصارى: أي إنما البر التوجه إلى الكعبة، وقيل خطاب للمؤمنين أي ليس البر الصلاة خاصة، بل البر جميع الأشياء المذكورة بعد هذا وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ لا يصح أن يكون خبرا عن البر فتأويله: لكن صاحب البر من آمن، أو لكن البرّ برّ من أمن أو يكون البر مصدرا وصف به وَآتَى الْمالَ صدقة التطوّع، وليست بالزكاة لقوله بعد ذلك: وآتى الزكاة عَلى حُبِّهِ الضمير عائد على المال لقوله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية وهو الراجح من طريق المعنى. وعود الضمير على الأقرب وهو على هذا تتميم وهو من أدوات البيان، وقيل يعود على مصدر آتى، وقيل على الله ذَوِي الْقُرْبى وما بعده ترتيب بتقديم الأهم فالأهم، والأفضل لأنّ الصدقة على القرابة صدقة وصلة بخلاف من بعدهم. ثم اليتامى لصغرهم وحاجتهم ثم المساكين للحاجة خاصة، وابن السبيل الغريب، وقيل الضعيف، والسائلين وإن كانوا غير محتاجين، وفي الرقاب عتقها وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ أي العهد مع الله ومع الناس وَالصَّابِرِينَ نصب على المدح بإضمار فعل فِي الْبَأْساءِ الفقر وَالضَّرَّاءِ المرض وَحِينَ الْبَأْسِ القتال صَدَقُوا في القول والفعل والعزيمة