وقال جمهور الفقهاء: المتعمد والناسي سواء في وجوب الجزاء، ثم اختلفوا في قوله متعمدا على ثلاثة أقوال: أحدها أن المتعمد إنما ذكر ليناط به الوعيد في قوله: ومن عاد فينتقم الله منه، إذ لا وعيد على الناسي، والثاني: أن الجزاء على الناسي بالقياس على المتعمد، والثالث: أن الجزاء على المتعمد ثبت بالقرآن وأنّ الجزاء على الناسي ثبت بالسنة فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المعنى فعليه جزاء، وقرئ بإضافة جزاء إلى مثل، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول به، وقيل: مثل زائدة، كقولك: أنا أكرم مثلك أي: أكرمك، وقرئ فجزاء «١» بالتنوين، ومثل بالرفع على البدل أو الصفة، والنعم الإبل والبقر والغنم خاصة، ومعنى الآية عند مالك والشافعي: أنّ من قتل صيدا وهو محرم أنّ عليه في الفدية ما يشبه ذلك الصيد في الخلقة والمنظر، ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وفي الغزالة شاة، فالمثلية على هذا هي في الصورة والمقدار، فإن لم يكن له مثل أطعم أو صام، ومذهب أبي حنيفة أنّ المثل القيمة يقوّم الصيد المقتول، ويخير القاتل بين أن يصدّق بالقيمة أو يشتري بالقيمة من النعم ما يهديه يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ هذه الآية تقتضي أن التحكيم شرط في إخراج الجزاء، ولا خلاف في ذلك، فإن أخرج أحد الجزاء قبل الحكم عليه، فعليه إعادته بالحكم إلا حمام مكة، فإنه لا يحتاج إلى حكمين، قاله مالك، ويجب عند مالك التحكيم فيما حكمت فيه الصحابة، وفيما لم يحكموا فيه، لعموم الآية، وقال الشافعي: يكتفي في ذلك بما حكمت به الصحابة هَدْياً يقتضي ظاهره أن ما يخرج من النعم جزاء عن الصيد يجب أن يكون مما يجوز أن يهدى، وهو الجذع من الضأن والثني مما سواه، وقال الشافعي: يخرج المثل في اللحم ولا يشترط السن بالِغَ الْكَعْبَةِ لم يرد الكعبة بعينها، وإنما أراد الحرم، ويقتضي أن يصنع بالجزاء ما يصنع بالهدي من سوقه من الحلّ إلى الحرم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن اشتراه في الحرم أجزأه أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً عدّد تعالى ما يجب في قتل المحرم للصيد، فذكر أولا الجزاء من النعم، ثم الطعام ثم الصيام، ومذهب مالك والجمهور أنها: على التخيير، وهو الذي يقتضيه العطف بأو، ومذهب ابن عباس أنها: على الترتيب، ولم يبين الله هنا مقدار الطعام، فرأى العلماء أن يقدّر الجزاء من النعم. لأنهم اختلفوا في كيفية التقدير، فقال مالك: يقدر الصيد المقتول نفسه بالطعام الحب أو الدراهم، ثم تقوّم الدراهم بالطعام، فينظر كم يساوي من طعام أو من دراهم وهو حيّ، وقال بعض أصحاب مالك: يقدّر الصيد بالطعام أي يقال: كم كان يشبع الصيد من نفس، ثم يخرج قدر شبعهم طعاما، وقال الشافعي: لا يقدر الصيد نفسه، وإنما يقدّر مثله، وهو الجزاء الواجب على القاتل له
(١) . وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتنوين. والباقون بالضم فقط.