وَلْيَطَّوَّفُوا المراد هنا طواف الإفاضة عند جميع المفسرين وهو الطواف الواجب بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أي القديم، لأنه أول بيت وضع للناس وقيل: العتيق الكريم، كقولهم:
فرس عتيق، وقيل أعتق من الجبابرة أي منع منهم، وقيل: العتيق هو الذي لم يملكه أحد قط ذلِكَ هنا وفي الموضع الثاني مرفوع على تقدير: الأمر ذلك كما يقدم الكاتب جملة من كتابه، ثم يقول هذا وقد كان كذا، وأجاز بعضهم الوقف على قوله: ذلك في ثلاثة مواضع من هذه السورة وهي هذا و «ذلك ومن يعظم شعائر الله» و «ذلك ومن يشرك بالله» لأنها جملة مستقلة أو هو خبر ابتداء مضمر، والأحسن وصلها بما بعدها عند شيخنا أبي جعفر بن الزبير، لأن ما بعدها ليس كلاما أجنبيا، ومثلها «ذلك ومن عاقب» و «ذلكم فذوقوه» في الأنفال، و «هذا وإن للطاغين» في ص: ٥٥ حُرُماتِ اللَّهِ جمع حرمة، وهو ما لا يحل هتكه من أحكام الشريعة، فيحتمل أن يكون هنا على العموم، أو يكون خاصا بما يتعلق بالحج لأن الآية فيه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ أي التعظيم للحرمات خير إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ يعني ما حرمه في غير هذا الموضع كالميتة الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ من لبيان الجنس كأنه قال: الرجس الذي هو الأوثان، والمراد النهي عن عبادتها أو عن الذبح تقربا إليها، كما كانت العرب تفعل قَوْلَ الزُّورِ أي الكذب، وقيل: شهادة الزور.
فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ الآية، تمثيل للمشرك بمن أهلك نفسه أشدّ الهلاك سَحِيقٍ أي بعيد شَعائِرَ اللَّهِ قيل: هي الهدايا في الحج وتعظيمها بأن تختار سمانا عظاما غالية الأثمان، وقيل: مواضع الحج، كعرفات ومنى والمزدلفة، وتعظيمها إجلالها وتوقيرها والقصد إليها، وقيل: الشعائر أمور الدين على الإطلاق، وتعظيمها القيام بها وإجلالها فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الضمير عائد على الفعلة التي يتضمنها الكلام وهي مصدر يعظم، وقال الزمخشري: التقدير: فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات لَكُمْ فِيها مَنافِعُ من قال: إن شعائر الله هي الهدايا، فالمنافع بها شرب لبنها، وركوبها لمن اضطر إليها، والأجل المسمى نحرها. ومن قال إن شعائر الله مواضع الحج، فالمنافع التجارة فيها أو الأجر، والأجل المسمى: الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ من قال: إن شعائر الله الهدايا فمحلها موضع نحرها وهي منى ومكة، وخص البيت بالذكر لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي، وثم على هذا القول ليست للترتيب في