فارغا من كل شيء إلا من همّ موسى، وقيل: فارغا من وعد الله: أي نسيت ما أوحى إليها، وقيل: فارغا من الحزن إذ لم يغرق، وهذا بعيد لما بعده. وقيل: فارغا من كل شيء إلا من ذكر الله، وقرئ فزعا بالزاي من الفزع «١» إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي تظهر أمره، وفي الحديث كادت أمّ موسى أن تقول وا ابناه وتخرج صائحة على وجهها رَبَطْنا عَلى قَلْبِها أي رزقناها الصبر لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من المصدّقين بالوعد الذي وعدها الله وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أي اتبعيه، والقص طلب الأثر، فخرجت أخته تبحث عنه في خفية فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي رأته من بعيد، ولم تقرب منه لئلا يعلموا أنها أخته، وقيل: معنى عن جنب عن شوق إليه، وقيل:
معناه أنها نظرت إليه، كأنها لا تريده وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي لا يشعرون أنها أخته وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ أي منع بأن بغضها الله له، والمراضع جمع مرضعة، وهي المرأة التي ترضع، أو جمع مرضع بفتح الميم والضاد: وهو موضع الرضاع يعني الثدي مِنْ قَبْلُ أي من أول مرة فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ القائلة أخته تخاطب آل فرعون فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ لما منعه الله من المراضع وقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت الآية: جاءت بأمه فقبل ثديها، فقال لها فرعون ومن أنت منه فما قبل ثدي امرأة إلا ثديك؟ فقالت: إني امرأة طيبة اللبن، فذهبت به إلى بيتها، وقرّت عينها بذلك، وعلمت أن وعد الله حق في قوله: إنا رادّوه إليك بَلَغَ أَشُدَّهُ ذكر في [يوسف: ١٢] وَاسْتَوى أي كمل عقله، وذلك مع الأربعين سنة.
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يعني مصر وقيل: قرية حولها، والأول أشهر عَلى حِينِ غَفْلَةٍ قيل: في القائلة وقيل بين العشاءين، وقيل يوم عيد، وقيل كان قد جفا فرعون وخاف على نفسه فدخل مختفيا متخوفا هذا مِنْ شِيعَتِهِ الذي من شيعته من بني إسرائيل، والذي من عدّوه من القبط فَوَكَزَهُ مُوسى أي ضربه، والوكز الدفع بأطراف الأصابع وقيل: بجمع الكف فَقَضى عَلَيْهِ أي قتله، ولم يرد أن يقتله ولكن وافقت وكزته الأجل، فندم وقال:
هذا من عمل الشيطان أي إن الغضب الذي أوجب ذلك كان من الشيطان، ثم اعترف واستغفر فغفر الله له، فإن قيل: كيف استغفر من القتل وكان المقتول كافرا؟ فالجواب أنه لم يؤذن له في قتله، ولذلك يقول يوم القيامة: إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها
(١) . أورد الطبري عن فضالة بن عبيد أن كان يقرأ: (وأصبح فؤاد أم موسى فازعا) من الفزع.