العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن، ويفهم الفرق بين الحرائر والإماء، والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار، وقيل: هو الرداء وصورة إدنائه عند ابن عباس أن تلويه على وجهها حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها وقيل: أن تلويه حتى لا يظهر إلا عيناها، وقيل أن تغطي نصف وجهها ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ أي ذلك أقرب إلى أن يعرف الحرائر من الإماء فإذا عرف أن المرأة حرة لم تعارض بما تعارض به الأمة، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي، إنما المراد أن يفرق بينها وبين الأمة، لأنه كان بالمدينة إماء يعرفن بالسوء وربما تعرض لهن السفهاء.
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ الآية: تضمنت وعيد هؤلاء الأصناف إن لم ينتهوا، وقيل:
إنهم لم ينتهوا: ولم ينفذ الوعيد عليهم ففي ذلك دليل على بطلان القول بوجوب إنفاذ الوعيد في الآخرة، وقيل: إنهم انتهوا وستروا أمرهم، فكف عنهم إنفاذ الوعيد، والمنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر، والذين في قلوبهم مرض: قوم كان فيهم ضعف إيمان، وقلة ثبات عليه، وقيل: هم الزناة كقوله: فيطمع الذي في قلبه مرض، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: قوم كانوا يشيعون أخبار السوء ويخوفون المسلمين، فيحتمل أن تكون هذه الأصناف متفرقة، أو تكون داخلة في جملة المنافقين، ثم جردها بالذكر لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ أي نسلطك عليهم وهذا هو الوعيد ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها ذلك لأنه ينفيهم أو يقتلهم، والضمير المجرور للمدينة إِلَّا قَلِيلًا يحتمل أن يريد إلا جوارا قليلا أو وقتا قليلا أو عددا قليلا منهم، والإعراب يختلف بحسب هذه الاحتمالات، فقليلا على الاحتمال الأول مصدر، وعلى الثاني ظرف، وعلى الثالث منصوب على الاستثناء مَلْعُونِينَ نصب على الذم، أو بدل من قليلا على الوجه الثالث أو حال من ضمير الفاعل في يجاورونك تقديره: سينفون ملعونين أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا أي حيث ما ظفر بهم أسروا، والأخذ الأسر سُنَّةَ اللَّهِ أي عادته ونصب على المصدر فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أي عادته في المنافقين من الأمم المتقدمة وقيل: يعني الكفار في بدر، لأنهم أسروا وقتلوا تَكُونُ قَرِيباً إنما قال قريبا بالتذكير، والساعات مؤنثة على تقدير شيئا قريبا، أو زمانا قريبا، أو لأن تأنيثها غير حقيقي يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ العامل في يوم قوله