تقول بظاهر المدينة أي خارجها وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ أي: قسمنا مراحل السفر، وكانت القرى متصلة، فكان المسافر يبيت في قرية ويصبح في أخرى، ولا يخاف جوعا ولا عطشا، ولا يحتاج إلى حمل زاد، ولا يخاف من أحد فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا قرئ باعد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بعد بالتخفيف والتشديد على وجه الطلب، والمعنى أنهم بطروا النعمة وملّوا العافية، وطلبوا من الله أن يباعد بين قراهم المتصلة ليمشوا في المفاوز ويتزوّدوا للأسفار، فعجل الله إجابتهم، وقرئ باعد بفتح العين على الخبر، والمعنى أنهم قالوا إن الله باعد بين قراهم، وذلك كذب وجحد للنعمة وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ يعني بقولهم باعد بين أسفارنا أو بذنوبهم على الإطلاق وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي فرقناهم في البلاد حتى ضرب المثل بفرقتهم، قيل تفرقوا أيدي سبا، وفي الحديث، إن سبأ أبو عشرة من القبائل، فلما جاء السيل على بلادهم تفرقوا فتيامن «١» منهم ستة وتشاءم أربعة.
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ أي وجد ظنه فيهم صادقا يعني قوله: لَأُغْوِيَنَّهُمْ، وقوله: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ تعجيز للمشركين وإقامة حجة عليهم ويعني بالذين زعمتم آلهتهم، ومفعول زعمتم محذوف أي زعمتم أنهم آلهة أو زعمتم أنهم شفعاء، وروي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا مِنْ شِرْكٍ أي نصيب والظهير المعين وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ المعنى لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن الله له أن يشفع، فإنه لا يشفع أحد إلا بإذنه، وقيل: المعنى لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الله أن يشفع فيه، والمعنى أن الشفاعة على كل وجه لا تكون إلا بإذن الله، ففي ذلك ردّ على المشركين الذين كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن هذه الآية في الملائكة عليهم السلام، فإنهم إذا سمعوا الوحي إلى جبريل يفزعون لذلك فزعا عظيما، فإذا زال الفزع عن قلوبهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم فيقولون: قال الحق، ومعنى فزع عن قلوبهم زال عنها الفزع، والضمير في قلوبهم وفي قالوا للملائكة، فإن قيل:
(١) . أي ذهبوا لجهة اليمين وتشاءم: ذهبوا نحو الشام.