للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَانْظُرْ ماذا تَرى إن قيل: لم شاوره في أمر هو حتم من الله؟ فالجواب: أنه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، ولكن ليعلم ما عنده فيثبت قلبه ويوطن نفسه على الصبر، فأجابه بأحسن جواب فَلَمَّا أَسْلَما إي استسلما وانقادا لأمر الله وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي صرعه بالأرض على جبينه وللإنسان جبينان حول الجبهة، وجواب لما محذوف عند البصريين تقديره، فلما أسلما كان ما كان من الأمر العظيم، وقال الكوفيون: جوابها تله والواو زائدة، وقال بعضهم: جوابها: ناديناه والواو زائدة قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا يحتمل أنه يريد بقلبك أى كانت عندك رؤيا صادقة فعملت بحسبها، ويحتمل أن يريد بعملك أي وفيت حقها من العمل، فإن قيل: إنه أمر بالذبح ولم يذبح، فكيف قيل له: صدقت الرؤيا؟ فالجواب أنه قد بذل جهده إذ قد عزم على الذبح ولو لم يفده الله لذبحه، ولكن الله هو الذي منعه من ذبحه لما فداه، فامتناع ذبح الولد إنما كان من الله وبأمر الله، وقد قضى إبراهيم ما عليه الْبَلاءُ الْمُبِينُ الذي يظهر به طاعة الله أو المحنة البينة الصعوبة.

وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذبح اسم لما يذبح، وأراد به هنا الكبش الذي فدى به، وروي أنه من كباش الجنة، وقيل: إنه الكبش الذي قرب به ولد آدم، ووصفه بعظيم لذلك، أو لأنه من عند الله أو لأنه متقبل، وروي في القصص أن الذبيح قال لإبراهيم:

أشدد رباطى لئلا أضطرب، وأصرف بصرك عني لئلا ترحمني، وأنه أمر الشفرة على حلقه فلم تقطع، فحينئذ جاءه الكبش من عند الله، وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية وتركناه لعدم صحنه، كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إن قيل: لم قال هنا في قصة إبراهيم كذلك دون قوله إنا، وقال في غيرها إنا، فالجواب أنه قد تقدم في قصة إبراهيم نفسها: إنا كذلك فأغنى عن تكرار أنا وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ يعني بالنبوة وغير ذلك مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ يعني الغرق أو تعذيب فرعون وإذلاله لهم وَنَصَرْناهُمْ الضمير يعود على موسى وهارون وقومها وقيل: على موسى وهارون خاصة، وعاملهما معاملة الجماعة للتعظيم، وهذا ضعيف وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ يعني: التوراة ومعنى المستبين البين، وفي هذه الآية وما بعدها نوع من أدوات البيان وهو الترصيع.

وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إلياس من ذرية هارون وقيل إنه إدريس، وقد أخطأ من

<<  <  ج: ص:  >  >>