المرسلين منصورون على أعدائهم إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
هذا النصر والغلبة بظهور الحجة والبرهان، وبهزيمة الأعداء في القتال، وبالسعادة في الآخرة فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ أي أعرض عنهم، وذلك موادعة منسوخة بالسيف، والحين هنا يراد به يوم بدر، وقيل: حضور آجالهم، وقيل: يوم القيامة وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ هذا وعد للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ إشارة إلى قولهم متى هذا الوعد؟ وأمطر علينا حجارة من السماء وشبه ذلك فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ الساحة: الفناء حول الدار، والعرب تستعمل هذه اللفظة فيما يرد على الإنسان من محظور وسوء فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ الصباح مستعمل في ورود الغارات والرزايا، ومقصد الآية التهديد بعذاب يحل بهم بعد أن أنذروا، فلم ينفعهم الإنذار، وذلك تمثيل بقوم أنذرهم ناصح بأن جيشا يحل بهم فلم يقبلوا نصحه، حتى جاءهم الجيش وأهلكهم وَأَبْصِرْ كرر الأمر بالتولي عنهم والوعد والوعيد على وجه التأكيد، وقيل: أراد بالوعيد الأول عذاب الدنيا، وبالثاني عذاب الآخرة، فإن قيل: لم قال أولا أبصرهم، وقال هنا: أبصر، فحذف الضمير المفعول؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه اكتفى بذكره أولا عن ذكره ثانيا فحذفه اقتصارا، والآخر أنه حذفه ليفيد العموم فيمن تقدم وغيرهم كأنه قال: أبصر جميع الكفار بخلاف الأول، فإنه من قريش خاصة.
سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ نزه الله تعالى نفسه عما وصفه به الكفار مما لا يليق به، فإنه حكى عنهم في هذه السورة أقوالا كثيرة شنيعة، والعزة إن أراد بها عزة الله: فمعنى رب العزة، ذو العزة وأضافها إليه لاختصاصه بها، وإن أراد بها عزة الأنبياء والمؤمنين: فمعنى رب العزة مالكها وخالقها، ومن هذا قال محمد بن سحنون: من حلف بعزة الله، فإن أراد صفة الله فهي يمين، وإن أراد العزة التي أعطى عباده فليست بيمين، ثم ختم هذه السورة بالسلام على المرسلين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فأما السلام على المرسلين فيحتمل أن يريد التحية أو سلامتهم من أعدائهم، ويكون ذلك تكميلا لقوله: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وأما الحمد لله، فيحتمل أن يريد به الحمد لله على ما ذكر في هذه السورة من تنزيه الله ونصرة الأنبياء وغير ذلك، ويحتمل أن يريد الحمد لله على الإطلاق.