البدع والبديع من الأشياء: ما لم ير مثله أي ما كنت أول رسول، ولا جئت بأمر لم يجيء به أحد قبلي، بل جئت بما جاء به ناس كثيرون قبلي، فلأي شيء تنكرون ذلك وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ فيها أربعة أقوال: الأوّل أنها في أمر الآخرة وكان ذلك قبل أن يعلم أنه في الجنة، وقبل أن يعلم أن المؤمنين في الجنة وأن الكفار في النار، وهذا بعيد، لأنه لم يزل يعلم ذلك من أول ما بعثه الله والثاني أنها في أمر الدنيا: أي لا أدري بما يقضي الله عليّ وعليكم، فإن مقادير الله مغيبة وهذا هو الأظهر. الثالث ما أدري ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وما تلزمه الشريعة. الرابع أن هذا كان في الهجرة إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض بها نخل، فقلق المسلمون لتأخير ذلك فنزلت هذه الآية قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ معنى الآية: أرأيتم إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ثم حذف قوله ألستم ظالمين وهو الجواب، لأنه دل على أن الله لا يهدي القوم الظالمين وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، فالمعنى: أرأيتم إن اجتمع كون القرآن من عند الله، مع شهادة شاهد من بني إسرائيل على مثله، ثم آمن به هذا الشاهد وكفرتم أنتم، ألستم أضل الناس وأظلم الناس؟ واختلف في الشاهد المذكور على ثلاثة أقوال: أحدها أنه عبد الله بن سلام، فقيل على هذا إن الآية مدنية، لأنه إنما أسلم بالمدينة، وقيل إنها مكية وأخبر بشهادته قبل وقوعها ثم وقعت على حسب ما أخبر، وكان عبد الله بن سلام يقول فيّ نزلت الآية، الثاني أنه رجل من بني إسرائيل كان بمكة: الثالث أنه موسى عليه السلام ورجّح ذلك الطبري. والضمير في مثله للقرآن أي يشهد على مثله فيما جاء به من التوحيد والوعد والوعيد، والضمير في آمن للشاهد فإن كان عبد الله بن سلام أو الرجل الآخر فإيمانه بيّن، وإن كان موسى عليه السلام، فإيمانه هو تصديقه بأمر محمد صلى الله عليه وسلم وتبشيره به.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ أي لو كان الإسلام خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء، والقائلون لهذه المقالة هم أكابر قريش لما أسلم الضعفاء كبلال وعمار وصهيب وقيل بل قالها كنانة وقبائل من العرب لما أسلمت غفار ومزينة وجهينة، وقيل: بل قالها اليهود لما أسلم عبد الله بن سلام، والأول أرجح لأن الآية مكية، وكانت مقالة قريش بمكة. وأما مقالة الآخرين فإنما كانت بعد الهجرة، ومعنى الذين آمنوا من أجل الذين آمنوا: أي قالوا ذلك عنهم في غيبتهم، وليس المعنى أنهم خاطبوهم بهذا الكلام، لأنه لو كان خطابا لقالوا ما سبقتمونا وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي لما لم يهتدوا قالوا هذا إفك قديم ونحو هذا ما جاء في المثل: من جهل شيئا عاداه، ووصفه