يحتمل أن يريد قولهم: شغلتنا أموالنا وأهلونا لأنهم كذبوا في ذلك، أو قولهم: فاستغفر لنا لأنهم قالوا ذلك رياء من غير صدق ولا توبة قَوْماً بُوراً أي هالكين من البوار، وهو الهلاك ويعني به الهلاك في الدين سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ الآية: أخبر الله رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن المخلفين عن غزوة الحديبية يريدون الخروج معه إذا خرجوا إلى غزوة أخرى، وهي غزوة خيبر. فأمر الله بمنعهم من ذلك، وأن يقول لهم: لن تتبعونا يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ أي يريدون أن يبدلوا وعد الله لأهل الحديبية، وذلك أن الله وعدهم أن يعوضهم من غنيمة مكة غنيمة خيبر وفتحها، وأن يكون ذلك مختصا بهم دون غيرهم، وأراد المخلفون أن يشاركوهم في ذلك، فهذا هو ما أرادوا من التبديل. وقيل: كلام الله قوله: فلن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا. وهذا ضعيف لأن هذه الآية نزلت بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بعد الحديبية بمدة كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ يريد وعده باختصاصه أهل الحديبية بغنائم خيبر فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا معناه يعز عليكم أن نصيب معكم مالا وغنيمة، وبل هنا للإضراب عن الكلام المتقدم وهو قوله: لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فمعناها: رد أن يكون الله حكم بأن لا يتبعوهم. وأما بل في قوله تعالى بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا فهي إضراب عن وصف المؤمنين بالحسد، وإثبات لوصف المخلفين بالجهل.
سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ اختلف في هؤلاء القوم على أربعة أقوال الأول: أنهم هوازن ومن حارب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر والثاني أنهم الروم إذ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتالهم في غزوة تبوك والثالث أنهم أهل الردة من بني حنيفة وغيرهم الذين قاتلهم أبو بكر الصديق والرابع أنهم الفرس ويتقوى الأول والثاني بأن ذلك ظهر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوّى المنذر بن سعيد القول الثالث بأن الله جعل حكمهم القتل أو الإسلام ولم يذكر الجزية، قال: وهذا لا يوجد إلا في أهل الردّة، قلت: وكذلك هو موجود في كفار العرب، إذ لا تؤخذ منهم الجزية فيقوّي ذلك أنهم هوازن أو يسلمون عطف على تقاتلونهم وقال ابن عطية: هو مستأنف وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يريد في غزوة