للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أظهر وأشهر وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ هو عرق كبير في العنق، وهما وريدان عن يمين وشمال، وهذا مثل في فرط القرب، والمراد به: قرب علم الله واطلاعه على عبده، وإضافة الحبل إلى الوريد كقولك: مسجد الجامع أو يراد بالحبل: العاتق إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ يعني الملكين الحافظين الكاتبين للأعمال، والتلقي هو: تلقّي الكلام بحفظه وكتابته، والعامل في إذ نحن أقرب، وقيل: مضمر تقديره: اذكر. واختاره ابن عطية عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أي قاعد، وقيل: مقاعد بمعنى مجالس، وردّه ابن عطية بأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، والقاعد يكون على جميع هيئة الإنسان، وإنما أفرده وهما اثنان لأن التقدير: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه، وقال الفراء: لفظ قعيد يدل على الاثنين والجماعة فلا يحتاج إلى حذف.

ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ العتيد: الحاضر، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مقعد الملكين على الشفتين قلمهما اللسان ومدادهما الريق «١» ، وعموم الآية يقتضي أن الملكين يكتبان جميع أعمال العبد، ولذلك قال الحسن وقتادة: يكتبان جميع الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات والسيئات ويمحو غير ذلك، وقال عكرمة: إنما تكتب الحسنات والسيئات لا غير وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ أي بلقاء الله أو فراق الدنيا، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: وجاءت سكرة الحق بالموت، وكذلك قرأها أبو بكر الصديق، وإنما قال: جاءت بالماضي لتحقق الأمر وقربه، وكذلك ما بعده من الأفعال ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي تفر وتهرب، والخطاب للإنسان سائِقٌ وَشَهِيدٌ السائق ملك يسوقه، وأما الشهيد فقيل: ملك آخر يشهد عليه وهو الأظهر، وقيل: صحائف الأعمال، وقيل: جوارح الإنسان لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا خطاب للإنسان الذي يقتضيه قوله: كل نفس، يريد أنه كان غافلا عما لقي في الآخرة، وقيل: هو خطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أي كنت في غفلة من هذا القصص وهذا في غاية الضعف لأنه خروج عن سياق الكلام فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ قيل: كشف الغطاء معاينته أمور الآخرة فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي يبصر ما لم يبصره قبل، وقد ورد: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا «٢» وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ القرين هنا: الشيطان الذي كان يغويه،


(١) . لم أعثر عليه فيما بين يدي من مصادر.
(٢) . قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ٤/ ٢٣: لم أجده مرفوعا وإنما ينسب للإمام علي بن أبي طالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>