باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ باطنه هو جهة المؤمنين، وظاهره هو جهة المنافقين وهي خارجه. كقوله ظاهر المدينة أي خارجها. والضمير في باطنه وظاهره يحتمل أن يكون للسور أو للباب والأول أظهر يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ أي ينادي المنافقون المؤمنين فيقولون لهم: ألم نكن معكم في الدنيا؟ يريدون إظهارهم الإيمان فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي أهلكتموها وأضللتموها بالنفاق وَتَرَبَّصْتُمْ أي أبطأتم بإيمانكم وقيل:
تربصتم الدوائر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين وَارْتَبْتُمْ أي شككتم في الإيمان وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ أي طول الأمل والتمني، ومن ذلك أنهم كانوا يتمنون أن يهلك النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أو يهزمون إلى غير ذلك من الأماني الكاذبة حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ أي الفتح وظهور الإسلام، أو موت المنافقين على الحال الموجبة للعذاب الْغَرُورُ هو الشيطان هِيَ مَوْلاكُمْ أي هي أولى بكم، وحقيقة المولى الولي الناصر، فكان هذا استعارة منه، أي لا وليّ لكم تأوون إليه إلا النار.
أنى الأمر إذا حان وقته، وذكر الله يحتمل أن يريد به القرآن أو الذكر، أو التذكير بالمواعظ وهذه آية موعظة وتذكير قال ابن عباس: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاثة عشر سنة من نزول القرآن، وسمع الفضيل بن عياض قارئا يقرأ هذه الآية فقال: قد آن فكان سبب رجوعه إلى الله. وحكي أن عبد الله بن المبارك أخذ العود في صباه ليضربه فنطق بهذه الآية فكسره ابن المبارك، وتاب إلى الله وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ عطف ولا يكونوا على أن تخشع ويحتمل أن يكون نهيا، والمراد التحذير من أن يكون المؤمنون كأهل الكتب المتقدمة وهم اليهود والنصارى فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي مدة الحياة وقيل: انتظار القيامة، وقيل: انتظار الفتح والأول أظهر اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي يحييها بإنزال المطر وإخراج النبات، وقيل: إنه تمثيل للقلوب أي: يحيى الله القلوب بالمواعظ كما يحيى الأرض بالمطر، وفي هذا تأنيس للمؤمنين الذين ندبوا إلى أن تخشع قلوبهم، والأول أظهر وأرجح لأنه الحقيقة.
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ بتشديد الصاد من الصدقة وأصله المتصدقين، وكذلك
(١) . بقية الآية: وما نزل من الحق. هكذا قرأها نافع وحفص وقرأ الباقون: وما نزّل من الحق بالتشديد.