التوبيخ وإقامة الحجة عليهم، ولذلك اعترفوا فقالوا: بلى قد جاءنا نذير، وقوله: كلما يقتضي أن يقال ذلك لكل جماعة تلقى في النار إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ يحتمل أن يكون من قول الملائكة للكفار، أو من قول الكفار للرسل في الدنيا.
وَقالُوا الضمير للكفار أي لو كنا نسمع كلام الرسل ونعقل الصواب ما كنا في أصحاب السعير فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ اعترافهم هذا في وقت لا ينفعهم الاعتراف، وذنبهم هنا يراد به تكذيب الرسل فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ انتصب فسحقا بفعل مضمر على معنى الدعاء عليهم بِالْغَيْبِ فيه قولان: أحدهما أن معناه وهم غائبون عن الناس، ففي ذلك وصف لهم بالإخلاص والآخر أن الغيب ما غاب عنهم من أمور الآخرة وغيرها. على أن هذا القول إنما يحسن في قوله يؤمنون بالغيب وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ المعنى سواء جهرتم أو أسررتم، فإن الله يعلم الجهر والسر أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ هذا برهان على أن الله تعالى يعلم كل شيء، لأن الخالق يعلم مخلوقاته، ويحتمل أن يكون من خلق فاعلا يراد به الخالق والمفعول محذوف تقديره: ألا يعلم الخالق خلقه أو يكون من خلق مفعولا والفاعل مضمر تقديره: ألا يعلم الله من خلق، والأول أرجح لأن من خلق إذا كان مفعولا اختص بمن يعقل، والمعنى الأول يعم من يعقل ومن لا يعقل الْأَرْضَ ذَلُولًا فعول هنا بمعنى:
مفعول، أي ذلولة فهي كركوب وحلوب فَامْشُوا فِي مَناكِبِها قال ابن عباس: هي الجبال وقيل: الجوانب والنواحي وقيل: الطرق والمعنى تعديد النعمة في تسهيل المشي على الأرض، فاستعار لها الذل والمناكب تشبيها بالدواب وَإِلَيْهِ النُّشُورُ يعني البعث يوم القيامة أَأَمِنْتُمْ «١» الآية مقصودها التهديد والتخويف للكفار، وكذلك الآية التي بعدها تَمُورُ ذكر في الطور [٩] حاصِباً يحتمل أن يريد حجارة أو ريحا شديدة نَذِيرِ بمعنى الإنذار وكذلك النكير بمعنى الإنكار أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ تنبيه على الاعتبار بطيران الطيور في الهواء من غير شيء يمسكها، وصافّات جمع صافة وهي التي تبسط جناحها للطيران، والقبض: ضم الجناحين إلى الجنب وعطف يقبض على صافات، لأن الفعل في معنى الاسم تقديره: قابضات فإن قيل: لم لم يقل قابضات على
(١) . أأمنتم: هكذا قرأها أهل الشام والكوفة (عاصم) وقرأها نافع وأبو عمر: آمنتم ومثلها في البقرة: أَأَنْذَرْتَهُمْ.